ماذا يعني رئيس الحكومة في نظام برلماني معدّل؟
بقلم: خالد شوكات*
ثمّةَ اصرار من الجميع على اعادة انتاج الفشل، فإذا كان المقصود برئيس الحكومة قائد السلطة التنفيذية، واذا كانت السلطة التنفيذية تعني المسؤول الاول عن اخراج البلاد من ازمتها وتحقيق التنمية الشاملة المطلوبة لإنقاذ الديمقراطية، فان الأكثرية الكاثرة لهؤلاء المرشحين لا صلة لهم بالموضوع، ولا علاقة لهم بالوظيفة المطروحة، ببساطة لأنهم لا يتوفّرون على أهم شرط لشغل هذا الموقع الخطير والحساس في اعلى هرم الدولة، شرط الزعامة أو القيادة السياسية، والصدفة وحدها يمكن ان تضع أحدهم على رؤوسنا لينسج على منوال غالبية أسلافه.
لقد ضرب نظامنا الديمقراطي أهم الأعراف الديمقراطية في مقتل، مكرّسا “المزاجية” في اختيار اهم المواقع القيادية، بدلا عن الشرعية الشعبية والانتخابية وعن الموضوعية، وها نحن نعاني لسنوات من هؤلاء الذين لا طعم ولا رائحة ولا لون لهم، يأتون بالحظ ويخبطون خبطا عشواء ويكلّفون المجموعة الوطنية والتجربة الديمقراطية غاليا ويخلّفون اثارا يصعب تصحيحها، جرّاء مجموعة من الانحرافات المفاهيمية التي تمّ تكريسها استجابة لضغوط الماضي وأهواء الحاضر والهزال الفكري والسياسي الذي تعاني منه النخبة.
أوّل هذه الانحرافات النظر لرئيس الحكومة كما لو أنه “وزير أوّل” يستمد شرعيته من رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب لكنّهُ لا يملك صلاحيات دستورية كافية من جهة، ويرغب في لعب دور سياسي أوسع من صلاحياته من جهة اخرى، وذلك راجع لهنات بيِّنة في الدستور الحالي لا مناص من مراجعتها، اذ ما معنى ان يختار الرئيس الشخصية الاقدر مثلا؟.
ثاني الانحرافات الاعتقاد بان الشخصية الاقتصادية هي التي بمقدورها ان تنقذ الاقتصاد، وهذا خطأ شائع ومفهوم خاطئ ثبّته الرئيس بن علي الذي كان يريد دائما وزيرا اولا لا رئيس حكومة، ورجلا تكنوقراطية لا سياسيا بقدوره ان يسرق منه الاضواء. في جميع تحارب النهوض والتنمية لن يكن القائد رجل الاقتصاد، بل إن الإصلاحات الاقتصادية تقتضي زعيما او قائدا سياسيا، اما التكنقراط فلا يقدرون عادة أو لا يجرأون على القيام بالمطلوب وتحمل نتيجة القرارات الجرئية.
ثالث الانحرافات تقديم المزاج على الكفاءة، واستثمار ابداء الرأي لتصفية حسابات ضيقة. لكي نقصي المرشح المطلوب نطالب بامرأة مثلا، فشعار المساواة جذاب، لكن الأمر هنا لا يتعلق بمجرد التجريب، ولو اعتمدت المعايير المطلوب في الاختيار وسمح للمرأة بالتنافس في مجال الزعامة السياسية فسيكون توليها حينها طبيعيا، أما مجرد ترشيحها لمجرد كونها امرأة فعبث ما بعده عبث.
ويبقى الانحراف الرابع هو الاخطر في رأيي، أن ندفع بأشخاص لا يتوفرون على الحد الأدنى من الشرعية الشعبية والبرلمانية، يكونون غالبا رهين التجاذبات والصراعات التي لا تنتهي بين مكونات الائتلاف الحكومي الممكن.. ساعتها يتحول المشهد كما وصفه الجنرال ديغول إلى “كارثة وطنية”.
* وزير سابق وناشط سياسي