ماذا وراء تحذيرات قيس سعيّد من “المؤامرات الخارجية”؟ خبراء يجيبون
تونس ــ الرأي الجديد
بات متكررا في الآونة الأخيرة، احتواء تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، على تحذيرات واتهامات لأطراف داخلية أو خاجية، دون تسميتها، بالتآمر للانقلاب على الشرعية، وتهيئة الظروف للخروج عنها.
تصريحات تختلف التقديرات في قراءتها، وخاصة الأطراف التي يتوجه لها سعيد بالاتهام، ولا سيما منها الداخلية، حيث قال قيس سعيّد مؤخرا إن “المؤامرات تحاك في الغرف المظلمة، ولكن الدولة تعي ذلك جيدا ولن تبقى مكتوفة الأيدي”، وفق قوله.
وذكر سعيّد أنه من التعطيل الحاصل في “دواليب” الدولة، عدم قدرة البرلمان على القيام بمهامه، على خلفية اعتصام كتلة “الدستوري الحر”، ومنع انعقاد الجلسات العامة، معتبرا أن “ذلك غير مقبول بكل المقاييس، وأن الوسائل القانونية متاحة، ويمكن اللجوء إليها”.
غموض الكلام
بدوره، قال المستشار الرئاسي السابق للرئيس المنصف المرزوقي، والناشط السياسي عدنان منصر، أن “تصريحات الرئيس في هذا الخصوص تواترت بنسق تصاعدي خلال الفترة الأخيرة، واتخذت منحى تصاعديا، لكن القاسم المشترك يبقى دائما غموضها وعدم تقديمه أي تفاصيل في العلاقة بها”.
ونبه عدنان منصر من أن “هناك ظاهرة أخرى ليست أقل أهمية، وهي أن جميع الأحزاب والمنظمات الوطنية الكبرى التزمت الصمت إزاءها، ولم يصدر عنها أي تعليق حولها، وهذا دليل على أن الرئيس لم يوضح لأحد منها ما يقصد بها، أو أنها تتجنب بناء مواقف جدية عليها”.
من جهته، قال الجامعي والباحث الأكاديمي زهير إسماعيل، “ليست المرّة الأولى التي يطلق فيها قيس سعيّد تهديداته، حتّى خلنا أنّها فراغات في الخطاب لا بد من ملئها حين يغيب المعنى، لكنّ تهديده هذه المرّة مختلف باختلاف السياق، وهو سياق مأزوم مثّل حادث السير القاتل الذي عرفته الحكومة في موضوع شبهة تضارب المصالح المتعلّق برئيس الحكومة منعرجه الخطير”.
وتابع زهير اسماعيل “وأيضا مثّل المرور إلى إجراء سحب الثقة من قبل ائتلاف برلماني واسع جمع النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة تحوّلا مهمّا في المشهد، لأنّه سيعيد العهدة إلى الحزب الأوّل وهذا بدوره سيعيد المشهد البرلماني والحزبي إلى ما قبل سقوط حكومة الجملي، هذا من أسباب التوتّر بين رئيس الجمهوريّة والنهضة وائتلاف الكرامة، وهو توتّر سابق له محطّاته ولكنّه احتدّ في الأيام الأخيرة”.
مع أسباب مهمة أخرى تشمل “تعطيل أشغال مجلس النواب من قبل نواب الدستوري، وسبب آخر إقليمي يتعلق بفقدان فرنسا لمكانتها الدولية في ليبيا، وخسارتها لكل أوراقها، ويبدو أنّها استثمرت في زيارة قيس سعيّد الأخيرة إليها لتجعل من تونس مدخلا إلى ليبيا”.
وأضاف إسماعيل، “تعرف فرنسا أن التجربة الديمقراطيّة ليست بالإطار الذي ييسّر لها تحقيق هذه الغاية، وخاصّة مع وجود حركة النهضة باعتبارها ممثّلا للإسلام، الذي لا ترضى عنه فرنسا وتعتبره من خصومها في ليبيا وفي غيرها وتراهن على إزاحته من المشهد”.
من هم المتآمرون؟
وبحسب تقدير عدنان منصر، فإن “الرئيس قد دخل معركة سياسية واضحة ضد مجموعة من الخصوم السياسيين، وأنه يستعمل هذا المعجم كجزء من تلك المعركة، لذلك لا يجب في نظري إيلاء هذه التصريحات أهمية أكثر مما تعني حقيقة، والمهم هي المعركة التي دخل فيها الرئيس بوضوح منذ أسابيع، والتي تظهر من خلال مؤشرات عديدة ومتواترة”.
وعن المعركة، يوضح منصر أنها “معركة مؤسساتية على الصلاحيات مع رئيس البرلمان، ومعركة سياسية مع حركة النهضة التي يعتبرها منسقة الهجمات ضد الحكومة المستقيلة، وضده شخصيا، والرئيس متخوف من مساعي الحركة ورئيسها لعزله سياسيا، لذلك فقد بدأ من جهته معركته لعزلها”.
من جهته، يقول الأكاديمي زهير إسماعيل، “يمكن أن نجيب عن سؤال من يعني سعيّد بالمتآمرين والمهدّدين للشرعيّة وتفجير البلد من الداخل واستهدافه من الخارج؟ فُهم من بعض سياقات حديثه أنّه يعني الدستوري الحر، حين أشار إلى تعطّل مؤسسات الدولة خاصّة منها البرلمان، ولكن فهم أنّ أغلب وعيده موجّه إلى حركة النهضة حين أشار إلى أنّه يعرف موائدهم ومجالسهم وأماكن تآمرهم وما يدور فيها”.
ويشير الباحث إلى أن خطاب سعيد لقيادات الأمن والجيش كان أقرب إلى النفير والدعوة إلى الاستعداد للنزال في حرب لم يكشف فيها بوضوح عن الجهة المقابلة، مبينا أنه “يتوجّه بخطابه الحربي إلى جهة مدنيّة، ومشاركة في الحكم تعبّر عن موقفها بالكلام والرأي في سياق منظومة ديمقراطيّة”.
مواقف نواب
من جهتها، رأت النائب عن قلب تونس، آمال الورتتاتي، أنه “ما تكلم رئيس الجمهورية إلا أثار لبسا، والكل بعد ذلك يتهم الكل ويفترض على رئيس الجمهورية عند الكلام أن يوضح للشعب الصورة ويطمئنه، ويقدم له إجابات، وحتى إن وجدت أطراف متآمرة وجب إماطة اللثام عنها، لأن عدم الوضوح يخلق عدم وجود الثقة في الدولة ومؤسساتها”.
بينما يعتقد النائب عن “التيار الديمقراطي”، رضا الزغمي، أنه “في كل مرة تؤكد تصريحات سعيد مسائل خفية، وواجب التحفظ يمنعه من الإيضاح، ولكن نحن في حاجة إلى تصريح، لا تلميح، وفي حال وجود خطر داخلي أو خارجي من الضروري ردع ذلك”.
وعن الأطراف التي يتحدث عنها سعيد يرد الزغمي، “ربما نشتبه في بعض الأطراف التي لا تريد خيرا، ومن ذلك المحور الإماراتي السعودي من جهة، والمحور القطري التركي من جهة ثانية، فكل منهما يسعى إلى غاية لا نعلمها، ولكن كلها شبهات والحقيقة عند رئيس الدولة”، وفق قوله.
(المصدر: عربي 21)