وسط تنافس بين معسكرين: الأحزاب تقدّم مرشحيها لرئاسة الحكومة
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
بدأت الأحزاب بإعدد قوائم مرشحيها لرئاسة الحكومة الجديدة، في ظل التراشق بين معسكري “سحب الثقة من الفخفاخ” الذي تتزعمه النهضة وحلفاؤها، و”سحب الثقة من الغنوشي” الذي تتزعمه الكتلة الديمقراطية وحلفاؤها، في وقت دعا فيه عدد من الخبراء الرئيس قيس سعيّد لاختيار شخصية اقتصادية لرئاسة الحكومة المُقبلة، مؤكدين أن الوضع يحتاج لشخصية لديها القدرة على معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في البلاد.
وقالت مصادر إعلامية، إن “حركة النهضة” بصدد التشاور مع كل من “قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”كتلة المستقبل” وعدد من المستقلين، حول قائمة تضم عدداً من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة المقبلة، أبرزها وزير الطاقة الحالي، منجي مرزوق، ووزير المالية الأسبق، فاضل عبد الكافي، والقيادي السابق في حزب التكتل الديمقراطي، خيام التركي.
ومن المنتظر أن تؤمن “النهضة” النصاب القانوني اللازم (109 نواب) لإنجاح هذه الأسماء، في حال تكليف أحد برئاسة الحكومة.
في المقابل، تناقش أحزاب “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب”، و”تحيا تونس” و”كتلة الإصلاح” عدداً من الأسماء المقترحة لرئاسة الحكومة المقبلة، من بينها محمد عبو الوزير لدى رئيس الحكومة، المكلف بالحوكمة ومكافحة الفساد، وغازي الشواشي وزير أملاك الدولة، وغيرها.
مقترحان لرئاسة الحكومة
وكتب المحلل السياسي والقيادي السابق في حزب الحراك، زهير إسماعيل: “من المرجّح أن نكون أمام مقترحين اثنين لرئاسة الحكومة لا أكثر يقدّمان إلى رئيس الجمهوريّة وهذا يسهّل العمليّة. والمحدّد ليس المرشح وإنّما الائتلاف البرلماني الذي يدعمه: مرشّح من “كتلة سحب الثقة من رئيس البرلمان”، ومرشّح من “كتلة سحب الثقة من رئيس الحكومة…” واضح الي الثقة لا… وخاصّة بين القوى المحسوبة على أوهامنا”.
وأضاف زهير اسماعيل، “لم أجد اسماً مناسباً يشير إلى ما يميّز الائتلافين سياسياً سوى ما يجمعهما من هدف آني هو سحب الثقة. والأصل أن يعبّر كل ائتلاف عن فكرة. لكن الحمص والزبيب في الجهتين. سحب الثقة من رئيس الحكومة فكرة النهضة، وسحب الثقة من رئيس البرلمان فكرة عبير، وسيكون موقفهما موجّهاً. وكان منتظراً من رئيس الجمهوريّة أن يتجاوز أسلوب المراسلة والخروج إلى التشاور الحيّ وبسط التقديرات ووجهات النظر وضرب الرأي بالرأي في علاقة بأزمة البلاد الخايبة والمرشّحة للأسوأ. ولكن يبدو أنّ رئيس الجمهوريّة ثابت على شكلانيته ومداوم على تجنّب التشاور والتناظر ولا نعلم السبب”.
وتابع اسماعيل، “الرئيس مدعو إلى الانطلاق من الأوزان البرلمانية باعتبارها أحد مقومات “الأقدر” المنصوص عليها بالدستور، وهو ما لم تتمّ مراعاته في تكليف الفخفاخ. لا توجد البتّة شروط حكومة وحدة وطنية رغم كونها الصيغة التي تفرض نفسها لمواجهة أزمة البلاد المركّبة. وأمّا حكومة تكنوقراط فهي لا تتناسب مع أزمة في جوهرها سياسيّ، ولن تكون إلاّ في صالح لوبيات المال والأعمال ومراكز القوى وأغلبها من القديم. وحكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة كانت انقلاباً “غير ربع”. أمّا فكرة حكومة سياسيّة من المستقلّين فهي الوجه الآخر لحكومة وحدة وطنية. الأنسب كما يبدو أن يتحمّل رئيس الجمهوريّة المسؤوليته فلا يكون طرفاً في العركة، وأن يختار المرشّح المدعوم بالائتلاف البرلماني الأوسع، فذلك شرط لاستكمال مؤسسات النظام السياسي وفي مقدّمتها المحكمة الدستورية”.
3 سيناريوهات
وتحت عنوان “تشريح العقل الرئاسي”، كتب الباحث والمحلل السياسي د. رياض الشعيبي: “ثلاثة سيناريوهات أمام الرئيس، هي الاحتمالات الثلاثة الوحيدة الممكنة لتشكل الحكومة الجديدة: السيناريو الأول الأقوى والأكثر رجحاناً، متمثلاً في اختيار شخصية من بين المرشحين الذي سيقترحهم 130 نائباً يمثلون أربع كتل برلمانية وعدداً من النواب المستقلين. يبدو هذا السيناريو الأقرب لروح الاقتدار على توفير استقرار حكومي صعب، والأكثر انسجاماً مع حكم الأغلبية الذي تترجمه الديمقراطية التمثيلية”.
وأضافرياض الشعيبي، “وقد بات واضحاً أن هذه الشخصية لن تكون شخصية سياسية فضلاً عن عدم انتمائها لأي حزب من الأحزاب، وأمام تعاظم التحدي الاقتصادي والاجتماعي فإن الخبرة الاقتصادية الأكاديمية أو التسييرية ستكون ميزة فاصلة في هذه الشخصية. كما أنه وبعد قضية تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة المستقيل، فإن أي مرشح محتمل لهذه المهمة لا بد وأن يراجع نفسه عديد المرات لعله يجد في ملفاته ما قد يعجل بإسقاطه، خاصة أن المعارضة ستكون قوية وحادة. يبقى السؤال المعلق في هذا الاحتمال: هل ستكتفي الأغلبية البرلمانية التي رشحت رئيس الحكومة الجديد بمكوناتها حصرياً؟ أم إنها ستعطي لمرشحها فرصة التفاوض مع كتل الضفة المقابلة من أجل توسيع الحزام الحكومي؟”.
وأشار الشعيبي إلى وجود سيناريو ثانٍ يتلخص بـ”تكليف رئيس الجمهورية لشخصية مستقلة بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة. وفي هذه الحالة قد يلجأ رئيس الجمهورية لأحد أعضائه للقيام على هذه المهمة على غرار مديرة الديوان الرئاسي أو وزير الدفاع الحالي. وفي هذه الوضعية ستتشكل الحكومة من خارج المنتظم السياسي الحالي وستطغى على تركيبتها الشخصيات القانونية من أساتذة الجامعات والقضاة خاصة. سيتذرّع (سيتحجّج) الرئيس حينها بالانقسام السياسي الحاد وفشل الطبقة السياسية وحاجة البلاد لحكومة إنقاذ”.
وأضاف: “هذا الاحتمال سيجد كثيراً من المؤيدين من مختلف الأطراف السياسية وخاصة النخب التي لم تجد لنفسها تمثيلية ما في المشهد الحالي. لكنه بالمقابل سيؤدي إلى إضعاف البرلمان وسيصبح النظام شبه رئاسي من حيث الشكل ورئاسوي من منظور واقعي. وهذا الاحتمال وارد إذا كان رئيس الجمهورية قد قدّر أن الوقت قد حان لتنزيل مشروعه السياسي، لكن كلفة هذا التمشي ستكون باهظة جداً على مستوى الاستقرار العام بالبلاد السياسي والاجتماعي”.
كما تحدث الباحث رياض الشعيبي، عن سيناريو ثالث يتجلى في “تكليف أحد مرشحي بقية الكتل البرلمانية، وهو احتمال ضعيف جداً لأنه سيعيد مجريات تكليف الفخفاخ دون الاستفادة من التجربة السابقة، ثم لأن هذه الكتل تبدو غير متفقة على تقديم مرشح واحد، بل وتصر على تقدير مرشحين حزبيين على غرار التيار الديمقراطي مثلاً. هذا السيناريو ضعيف لأنه سيؤدي وبسرعة لانتخابات مبكرة ولمزيد توتير المشهد السياسي والبرلماني في البلاد. اللّهمّ إلاّ إذا كان قرار الرئيس هو الدفع بالبلاد إلى هذه الانتخابات والتسريع بها، وهو أمر غير وارد في ظل ما كان يعبر عنه رئيس الجمهورية في كلماته الغامضة والملتبسة من قلق حول المؤامرات التي تحاك للبلاد”.
تعيين شخصية سياسية
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، أنه من الخطأ اليوم تعيين شخصية سياسية لرئاسة الحكومة “لأنه سيبحث عن حزام سياسي وهو غير متوفر في ظل توتر الأوضاع السياسية والعلاقات المتشنجة بين الأحزاب”.
وأضاف عز الدين سعيدان، بقوله “الحل يكمن في دعوة رئيس الجمهورية لشخصية مستقلة وغير منتمية لأي حزب يجمع بينه 5 او 6 أشخاص خبراء ليحدد برنامج إقتصادي للانقاذ وبعد ذلك مباشرة يكوِن فريق حكومي مستقل ويكون الهدف إنقاذ الإقتصاد مع التعهد الواضح بأن لا يكون لهم أي غاية سياسية أو انتخابية ثم تعرض هذه الشخصية الفريق على البرلمان لنيل الثقة دون إبتزاز من أي حزب. ومن الضروري أن يتكون الفريق الحكومي للشخصية المستقلة من 15 أو 20 وزيرا على أقصى حد، وهدفهم الوحيد إنقاذ الإقتصاد خلال سنتين أو ثلاث سنوات ثم يسلم العهدة”.
(المصدر: القدس العربي)