سياسيون وإعلاميون في ندوة فكرية وسياسية حول الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي
تونس ــ الرأي الجديد
نظم المعهد العربي للديمقراطية بشراكة مع مؤسسة “هانس سايدل” الألمانية، ندوة فكرية وسياسية بعنوان “كيف نقيم مساهمة الباجي قائظ السبسي في مسار الانتقال الديمقراطي ومشروع المصالحة الوطنية”، وذلك تخليدا للذكرى السنوية الأولى لوفاة الزعيم الباجي قائد السبسي.
وحضر هذه الندوة، شخصيات سياسية وفكرية وإعلامية بارزة، إلى جانب أصدقاء المرحوم الباجي قائد السبسي، ورجالات واكبوا مسيرته النضالية طيلة فترة تقلده جميع المناصب السيادية في الدولة الوطنية المستقلة، وإبان مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 14جانفي 2011 الى حد رحيله في2019 .
رجل توافق وتجميع
وقال رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات إن الباجي قايد السبسي، كان أحد أباء الحركة الديمقراطية المعاصرة ومن صدع بمطلب الإصلاح السياسي في وجه الزعيم الحبيب بورقيبة سنة 1971، وأثار بذلك أب الاستقلال ومؤسس الجمهورية، ونجح بعد الثورة في إيصال تونس إلى بر الأمان ولانتخابات ديمقراطية رغم كثرة الضغوط والإغراءات.
وأكد أن السبسي كان رجل حوار وتوافقات وأخذ من جميع عهود الملوك والزعيم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي أجملها معتبرا أن الراحل كانت تسوءه الرداءة السياسية والإعلامية ولكنه لم يخذل وطنه بل ساهم في صياغة العهد الديمقراطي واستعاد توازن البلاد ببعث حزب نداء تونس زمن الترويكا وخذل البعض الذي فكر أن السبسي سيحارب بحزبه من أجل الإقصاء إلا أنه كان يؤمن في أعماقه بان تونس تتسع لجميع التونسيين وللكل فرصة حكمها باسم التوافق. وأضاف شوكات الآن يعلم خصوم السبسي قبل رفاقه أنه كان رجل توافق وتجميع وأنه يوجد مكان في قلبه وعقله لكل تونسي مهما كان انتماءه الايديواوجي أو السياسي.
واعتبر خالد شوكات أن ماتركه السبسي من مكتسبات يجب المحافظة عليها وتعزيزها بانجازات منها خاصة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكن ليس على حساب الحرية والديمقراطية. وأكد أن الباجي منح ثقته للبعض وكانت نيته حسنة وكان تقديره أنهم سيكونون ممنونين لهذه الثقة فتكاثر من حوله أهل الهوى والأنوات المتضخمة حتى المرض وجاءته معلومات سوقها أهل المصالح الضيقة فبنى عليها قرارات لم تكن دوما صائبة قائلا “الباجي قايد السبسي لم يعيش مرارة في حياته قدر المرارة التي عاشها وهو رئيس للجمهورية الثانية”.
مرارة الرفاق والأقربين
وأكد أن السبسي أذاه أبناءه قبل خصومه وأعداءه لكن شعبه ظل وفيا له وشيعه إلى مثواه الأخير دامعا متألما كما لم يشيع أي زعيم من قبل على امتداد 3 ألاف عام. وختم بالقول أنه في تخليد ذكرى وفاته الأولى كان السبسي الرجل الوحيد الذي شغل جميع مناصب السيادة في الدول التونسية المستقلة كما لم يمنح القدر هذا الأمر لأي سياسي أخر بما في ذلك الزعيم الحبيب بورقيبة خاتما بالقول” رحم الله مهندس الإنتقال الديمقراطي وزعيم المصالحة الوطنية وأول رئيس للجمهورية”.
رجل استثنائي ومحنك سياسي
وتحدث العميد السابق للمحامين والوزير الأسبق الفاضل محفوظ بتأثر شديد عن العميد والرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي، واصفا إياه بالمعلم والعلَم التونسي..
وإعتبر عميد المحامين الأسبق أن من المهم الإستلهام من تجربة الباجي قايد السبسي وتغيير عادة عدم إعطاء كل ذي حق حقه والاحتفاء بالقادة السياسيين إلا بعد وفاتهم، مشددا على ايمانه ”أن لتونس نساء ورجالا بإمكانهم قيادة السفينة والرسوّ بها في بر الأمان والمرور من هذه العواصف إذا ماجعلوا تجربة الأولين نبراسا لهم وجعلوا ما آمن به الرئيس الراحل السبسي أن مصلحة الوطن قبل مصلحة الأحزاب، قاعدة لهم”. وقال محفوظ إن تونس فقدت رجلا استثنائيا ومحنكا سياسيا ذو نظرة ثاقبة رغم أخطائه ”فالبشر مخطئون بطبعهم” حسب تعبيره.
وأضاف محفوظ أن ما ميّز الباجي قائد السبسي هو خاصة إيمانه الكبير بدور المجتمع المدني لذلك استطاع السير بتونس إلى مراحل من الاستقرار بعد العواصف، وتابع ”ما يحسب له أيضا أنه طلب ودّ المنظمات الاجتماعية الكبرى حتى تكون إلى جانب عملية الإنتقال الديمقراطي وليس إلى جانبه هو، وذلك من أجل إنجاح عملية التداول السلمي على السلطة”. وقال ”السبسي كان أول سياسي يتصل بعمادة المحامين لتنظيم لقاء لطرح وجهة نظره حول إنجاح عملية التداول السلمي على السلطة قبل ما عرفته تونس في 2013”.
لقاء الشيخين بباريس
وأكد محفوظ على نظرة السبسي الثاقبة لتحقيق التوافق السياسي الضروري لتونس التي لولاها لا يمكن الحديث لا عن ديمقراطية، مبرزا ”أن تجربة الحوار الوطني كانت مريرة إلا أن الراحل الباجي قايد السبسي أحسن إدارة الحوار لإنجاحها”، وأكد أن عدة شخصيات وطنية ومنظمات هي من هيّأت للقاء الشيخين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس حزب نداء تونس حينها الباجي قايد السبسي بباريس.
وختم بأن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي شعر بالفخر المتواصل إثر حصول تونس على جائزة نوبل للسلام بفضل الرباعي الراعي للحوار الوطني والتي اعتبرها جائزة مجسمة لتونس.
كان ذكيا في تحديد إطار الخلاف والصراع وتجنب الذهاب إلى الأسوإ
وقال المندوب الإقليمي لمؤسسة ”هانس زايدل” مكتب تونس زيد الديلمي، إن مشاركتهم في ندوة تقييم مساهمة الباجي قائد السبسي في مسار الانتقال الديمقراطي ومشروع المصالحة الوطنية، كان لعدة أسباب أبرزها، أن منظمتهم تظل في خدمة تونس في عدة مجالات هامة وثانيا لإحترامهم الرموز والشخصيات التاريخية، وخاصة لأهمية الشخصية الجدلية المخضرمة للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي ساهم بشكل كبير في بناء مؤسسات مساري الإستقلال والديمقراطية في تونس .
واعتبر زيد الديلمي أن الوضع التي تمر بها تونس وحدة التوتر السياسي المؤسف في ظرف إقليمي وعالمي دقيق وشديد الخطورة، يجعله يستذكر سعة أفق الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي كان ذكيا في تحديد إطار الخلاف والصراع وتجنب الذهاب إلى الأسوإ خاصة إذا تعلق الأمر بمصلحة تونس وأمنها واستقرارها .
وأبرز الديلمي أن شخصية الباجي قايد السبسي رسخت عدة ثوابت تحتاجها تونس في هذا الظرف وأبرزها المناورة مع الفاعلين الدوليين دون التفريط في السيادة الوطنية أو فتح الباب للتدخل الأجنبي ومجاراة الخلاف السياسي الحاد أحيانا دون الاستسلام لمغريات إقصاء الخصم والثبات على الأرضية الوطنية رغم ضرورات المرونة .
وأكد أن هذه الثوابت جعلت الراحل الباجي قايد السبسي سليلا أصيلا لجيل مؤسسي الدولة الوطنية التونسية دون السقوط في تقديس كل جوانبها خاصة فيما يتعلق بمسألة الحريات والديمقراطية.
العناوين الخمسة الرئيسية
من جهته، اختزل النائب عن حركة النهضة، محمد القوماني، مساهمة الباجي قائد السبسي في مسار الإنتقال الديمقراطي ومشروع المصالحة الوطنية، في خمس عناوين هي:
العنوان الأول: ‘الباجي قائد السبسي الدستوري الديمقراطي المنخرط في تحقيق أهداف الثورة’ دون تعلثم أو تردد.
واعتبر أن ذلك ليس بالشئ البسيط في انتقاد قيادات وفترة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة خاصة وان السبسي كان قد نادى بالديمقراطية بعد الثورة خلال بناء الجمهورية الأولى والثانية معبرا عن أسفه لتواجد أشخاص من التيار الدستوري ممن يتنكرون للحرية والديمقراطية حسب تعبيره خلال ندوة حول تقييم مساهمة الباجي قائد السبسي في مسار الإنتقال الديمقراطي ومشروع المصالحة الوطنية نظمها المعهد العربي للديمقراطية الخميس 23 جويلية الجاري .
العنوان الثاني: هو ‘السبسي الوزير الأول الذي أمن التأسيس الديمقراطي وأول انتخابات تعددية وتنافسية وديمقراطية سنة 2011.
وأضاف في هذا السياق، أن الرئيس الراحل قاد حكومة وسط الألغام في ظل حرب تشن في الدولة الشقيقة ليبيا..
العنوان الثالث: هو “الزعيم الباجي قائد السبسي حقق التوازن السياسي المطلوب في الساحة”
وقال إنّ السبسي، كان مؤمنا بان تونس لايمكنها أن تقوم على الحزب الواحد وسط عدم توازن سياسي خاصة بعد تصدر النهضة في 2011 نتائج الانتخابات بفارق كبير .
وشدد على أن السبسي أدرك بسرعة في تلك الفترة حاجة تونس لبناء نظام ديمقراطي واستطاع بسرعة فائقة أن يجمع الطيف السياسي من يساريين وإسلاميين وغيرهم وكسب الانتخابات التشريعية والرئاسية في ما بعد في سنه وكان الباعث لرسائل طمئنة للتونسيين في الداخل وللشركاء الدوليين في الخارج .
العنوان الرابع: هو “الرئيس الذي رعا التوافق وروج للمصالحة الوطنية”.
وقال القوماني، إنّ هذه ميزة بين فيها السبسي رفضه إقصاء النهضة من الحكومة، وقرر بوعي وتصميم أن تكون النهضة شريكا في الحكم والمضي في اتفاق مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في لقاء باريس وصار راعيا لهذا التوافق في المنابر التونسية والخارجية، ودعم ذلك بحضوره مؤتمر النهضة العاشر وهي علامة تاريخية سابقة خلافا لمشهد الاستهتار والتنافر الذي نراه اليوم من جديد.
أما العنوان الخامس والأخير، فهو أنّ “الباجي الضامن لدستور 2014 “.
واعتبر أن الباجي حسم مسألة الهوية مبكرا، خاصة الفصلين الأول والثاني منه اللذين ينصان على تونس دولة مدنية لشعب مسلم وكان الباجي أحد رموز هذه الدولة المدنية.
وختم محمد القوماني بالقول” في الليلة الظلماء يفتقد البدر ” معتبرا أن الأوضاع التي تعيشها تونس مدلهمة للأسف وتجتمع فيها أزمة اقتصادية وسياسية بتحركات اجتماعية وتصفية حسابات شخصية وفئوية معتبرا أن هذا يحتاج التفكير في أحد معالم تونس ‘الباجي قايد السبسي قائلا “من يكرم الفقيد يتبع خطاه وإذا أردنا تخليد ذكراه يجب استحضار هذه المعاني وغيرها”.