لأول مرة منذ وفاته: الغنوشي يكشف أسرارا عن علاقته بالرئيس الراحل الباجي قائد السبسي
تونس ــ الرأي الجديد
قال رئيس “حركة النهضة”، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، أن ما يعرف بـ”لقاء الشيخين”، الذي جمع بينه وبين “الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في باريس، “صنع ملحمة التوافق الوطني”، وأنه “شكّل لحظة فاصلة في تاريخ الثورة التونسية بل الربيع العربي”.
وأكد راشد الغنوشي، في شهادة قدّم فيها أسرارا عن العلاقة بينهما، تزامنت مع مرور سنة على وفاة الرئيس الراحل، والذي يصادف يوم 25 جويلية، ونشرها اليوم الإربعاء 22 جويلية 2020 بموقع مجلة “ليدرز”، أن “لقاء باريس لم يكن لقاء الصدفة أو الصفقة بل كان محطة في مسيرة التقت فيها الهمم على تأكيد الاستثناء التونسي”، مبرزا أن “اللقاء شكّل مناسبة لإذابة الجليد والاتفاق على المبادىء العامة وضروة الحوار للخروج من الأزمة وتجنب الاقصاء”.
وأضاف الغنوشي، “سي الباجي زارني في منزلي بمنطقة النحلي إثر لقاء باريس، وكان ذلك إشارة واضحة إلى أنّ الأيادي ممدودة، وإلى أنّ طورا جديدا بدأ في العلاقة بيننا”.
علاقته بالرئيس الراحل في 3 أطوار:
وأبرز أن هذه العلاقة بينه وبين الباجي، شهدت 3 أطوار، وأن الطور الأوّل كان خلال رئاسته للحكومة سنة 2011، معتبرا أنها مرحلة الاحترام المتبادل والحوار، مؤكدا أن لقاءات عديدة جمعته به في مكتبه بالقصبة، وأنه زار بدوره الباجي بمنزله بسكرة يوم 22 أكتوبر، عشية الانتخابات التشريعية، وأن هذا الأخير أكد له أنّ الدولة ستحترم إرادة الشعب”.
وأشار إلى أن الطور الثاني، هو طور ما أسماه بـ”الجفوة”، عندما اختارت النهضة الترويكا واختار الباجي المعارضة، مؤكدا أن هذا الطور لم يطل، متسائلا إن كانت أزمة سنة 2013 لتكون لو تمّ اختيار مشهد سياسي أساسه تحالف استراتيجي بين قوى الثورة وقوى النظام القديم بقيادة سي الباجي؟ معتبرا أن الصفحة طويت بسرعة في أوت 2013 وأن الدليل حصل على أن استقرار تونس يحتاج مصالحة شاملة، قال إن أساسها المصالحة بين الاسلاميين والدساترة.
ولفت إلى أنه لم يكن من اليسير الإقناع بهذا الخيار في النهضة والنداء بعد انتخابات 2014، مذكّرا بأنهم لئن وجدوا الحلّ في البرلمان بتصويت النهضة لمرشح النداء في الرئاسة، محمد الناصر، وتصويت النداء لمرشح النهضة عبد الفتاح مورو نائبا له، فإن “تشكيل الحكومة شكل محنة وامتحانا في ظلّ إصرار بعض القوى في النداء، على إقصاء النهضة حتى لا يخون النداء ناخبيه”.
آخر لقاء بين الغنوشي والسبسي:
وكشف الغنوشي، أنه في آخر لقاء بينه وبين الرئيس الراحل في منزل هذا الأخير بسكرة، يوما قبل الإعلان عن حكومة الصيد الأولى، كان ثمّة صراع بين خياري التوافق والإقصاء، وأن سي الباجين كان مع التوافق بالطبع، وأنه كان من جهته مقتنعا بأنّ المطلوب ليس عدد الوزارات التي ستحصل عليها النهضة، بل هزم مشروع الإقصاء والاستئصال، مضيفا أن حركته قبلت بوزير واحد في الحكومة، لأنها كانت تدرك أنّ المعركة كانت رمزية، وأن “النهضة التي قد تكون فوتت فرصة توافق نوعي سنة 2011، مدعوة للتفكير بعقل إبداعي، يتجاوز الحسابات الفئوية الضيقة، ويلتقط لحظة وطنية طوت صفحة الانقسام الحادّ، الذي خلفته الانتخابات الرئاسية والتشريعية”.
وذكّر بأن “الباجي كان حريصا سنة 2016 على حضوره مؤتمر النداء بسوسة”، مستشهدا بـ “طرفة حصلت له عندما تعطلت سيارته في زحمة المرور، وأعطى الباجي تعليماته بتخفيض سرعة موكبه الرئاسي، حتى يصل والغنوشي في نفس الوقت” واعتبر أن “مشهد حضوره في قاعة كانت منذ أشهر تهتف ضدّه، ومشهد “سي الباجي” في قاعة رادس خلال مؤتمر النهضة يخاطب شبابها، الذي طالما هتف ضدّ النداء، شكّل لوحة جميلة تونسية خالصة قال إن عنوانها هو انتصار تونس على ثقافة الحقد والكراهية والإقصاء”.
المصالحة وطيّ صفحة الماضي:
وتساءل: “هل كان بالإمكان أن يمضي مع الباجي خطوات أكثر على درب المصالحة، وطي صفحة الماضي وترجمة المنجز التوافقي تنمويا؟”.
وأجاب الغنوشي عن تساؤله هذا بـ “نعم”، معربا عن “رفضه التقليل من شأن المنجز التوافقي، أو محاولة تشويهه والانقلاب عليه”، معتبرا أنّ إنقاذ التجربة الديمقراطية، لم يكن شيئا بسيطا، وأنها تؤكد لكل ذي رأي حصيف، أن تراجع ثقافة التوافق في وضع سياسي هشّ، يقابله تنامي مخاطر الفوضى السياسية والاحتقان.
وشدد على أنّ “التوافق الذي صنعه مع الرئيس الراحل حيّ”، وعلى أنه “الخيار الأفضل لتونس، وعنوان نجاح ثورتها”، مؤكدا أن “هذا التوافق انبنى على علاقة وجدانية منزّهة عن المصالح الضيقة وتخديم المخ”.
وأشار الغنوشي، إلى أنه بالرغم من أن لكل منهما رؤيته هو والباجي، فإنهما التقيا تحت خيمة المصلحة الوطنية والمحبة الشخصية، مشددا على أنّ خلافهما كان رحمة، ولقاؤهما فرصة للتقدم بتونس نحو المزيد من الأمن والاستقرار.
وختم شهادته، بالترحم على من وصفه بـ “أخيه وصديقه سي الباجي العزيز”.