نور الدين البحيري: هكذا سيتم تجاوز الأزمة السياسية وملف تضارب المصالح لرئيس الحكومة
تونس ــ الرأي الجديد (متابعات)
قال نور الدين البحيري، نائب رئيس حركة النهضة، أنّ البلاد تمر فعلا بصعوبات كثيرة وبتجاذبات بين إرادتين: الأولى تسعى إلى دعم المسار الديمقراطي وأهداف الثورة، والثانية تسعى إلى العودة بالبلاد إلى نظام فردي سلطوي تنفرد فيه أقلية بالثروة والسلطة.
وأوضح في حوار لموقع “عربي 21″، أنّه بعد 9 سنوات عن الثورة، من الطبيعي أن يتطلع الشعب بإلحاح إلى تحقيق مطالبه الاجتماعية والاقتصادية وإلى حياة كريمة.. قائلا في هذا السياق: “بلادنا تزخر بالثروات البشرية والطبيعية وقطاع الفلاحة وحده، يمكن أن يحدث نهضة نوعية، إذا توفرت الإرادة السياسية، وقمنا بخطوة مهمة لوضع حد لهيمنة الفاسدين على مؤسسات الدولة والاقتصاد والإعلام”.
وفيما يلي مقتطفات من هذا الحوار..
*** هل يمكن أن تقع انتكاسة؟ هل تخشون من انتصار “معسكر العودة إلى الوراء”؟
ــــ البعض يسعى إلى العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد والفساد، مثل النائبة عبير موسي القيادية في الحزب الدستوري التي تعاقبت غلطاتها السياسية والقانونية من بينها إنكار الدستور التونسي علنا ..
وعبير ليست وحدها في تحدي الدستور والقانون وتضحيات الشعب وثورته.. آخرون لهم نفس الموقف سرا.. وآخرون يريدون تغيير النظام السياسي في اتجاه إعادة اعتماد الحكم الفردي وإلغاء مكاسب المسار التعددي الديمقراطي ..
هذه المحاولات سوف تفشل في نظرنا لأن تعديل الدستور يتطلب إجراءات معقدة جدا وأغلبية كبيرة في البرلمان.. ولأن الدستور محصن من التلاعب.. والتغير الارتجالي للنظام السياسي غير ممكن.. لأنه محصن كذلك بإرادة شعبية شبابية رغم حالة القلق التي يعبر عنها الشباب والعاطلون عن العمل بسبب تعثر مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف: في النظام السياسي والانتخابي التونسي عدة مكاسب، من بينها انتخاب مباشر للبرلمان ولرئيس الدولة وللمجالس البلدية.. التي تمثل محطة مهمة في تكريس الحكم المحلي ..
وأعتقد أن البلد الذي بنى مؤسسات الحكم المحلي ودفع نحو اقتسام السلطات بين المحليات والجهات وبين المركز في العاصمة، لا يمكن أن تسير إلى الخلف، كما لا يمكن أن يقبل العودة إلى الوراء الشعب الذي قسم السلطات مركزيا بين 3 أقطاب لكل منها صلاحيات واضحة: رئاسة الدولة في قرطاج ورئاسة الحكومة في القصبة والبرلمان في باردو ..
لرئيس الدولة صلاحيات دستورية واضحة.. والدستور أسند إلى البرلمان صلاحيات كبيرة لأنه منتخب مباشرة من الشعب، من بينها المصادقة على الحكومة أو سحب الثقة منها ومراقبة السلطة التنفيذية ورسم سياسات الدولة ..
وأكد: الرجوع إلى الوراء نحو “النظام الرئاسي الاستبدادي”، يعني قلب كل المعطيات وإحداث انقلاب على كل المنظومة السياسية الدستورية.. وهو مستحيل على المدى القريب والمتوسط ..
*** هناك تصريحات علنية من قبل رئيس الدولة والناطقين باسمه عن وجود رئيس واحد في البلاد.. بما اعتبر تحذيرا لرئيسي البرلمان راشد الغنوشي والحكومة إلياس الفخفاخ؟
ــــ فعلا، لدينا رئيس جمهورية واحد انتخبناه مباشرة.. ولدينا رئيس حكومة واحد زكاه البرلمان بعد مفاوضات مع الكتل البرلمانية والأحزاب الفائزة.. ولدينا رئيس برلمان واحد انتخبه البرلمان الذي زكاه الشعب في انتخابات تعددية مباشرة ..
الخلاف ليس حول وجود رئيس واحد للدولة أو للحكومة أو للبرلمان، ولكن قد يبرز خلاف بسبب بعض الذين يحاولون عبثا انتهاك الدستور الذي قسم السلطات بوضوح بين البرلمان والسلطة التنفيذية المركزية والحكم المحلي بما يحمي البلاد من كل أشكال الاستبداد ..
من الطبيعي في بلد عانى من الاستبداد والحكم الفردي أكثر من 60 عاما، بل قرونا، أن يبرز شبه إجماع عند صياغة الدستور على تقاسم السلطات واعتماد نظام ديمقراطي يقطع مع سيناريوهات العودة إلى كل أشكال التسلط والنظام الفردي ومساوئه أو “النظام الرئاسوي”….
ولا أفهم كيف يدعو البعض إلى العودة إلى الحكم الفردي في وقت تستعد فيه البلاد لدعم الحكم المحلي في مستوى المجالس البلدية بحكم محلي جهوي في مستوى بمجالس جهوية ثم مجلس وطني مركزي للحكم المحلي.
وكل هذا لا يقلل من صلاحيات رؤساء الدولة والحكومة والبرلمان..
*** قيادات نقابية وحقوقية اتهمت حركة “النهضة” بالازدواجية.. وتقول إن وزراءها صادقوا على مشروع القانون المنظم للإعلام السمعي البصري، بينما صوت نوابها على مشروع مناقض في لجنة الحقوق والحريات في البرلمان قدمته كتلة ائتلاف الكرامة..
ــــ ليس هناك تناقضات ولا ازدواجية.. وزراؤنا لم يصوتوا لصالح المشروع الحكومي عند عرضه في مجلس الوزراء بل دعوا إلى تأجيل البت فيه.. وبالنسبة للمشروع المعروض على البرلمان صادقت عليه الغالبية الساحقة من أعضاء اللجنة،لأنه دعا إلى إلغاء “الترخيص” واستبداله بـ “إعلام” عند تأسيس مؤسسة إعلامية.. مثلما هو معمول به بالنسبة لتأسيس الأحزاب والجمعيات في القانون المعتمد بعد الثورة ..
وأقول للمعترضين على المشروع الجديد: أيهما أخطر تأسيس حزب سياسي وجمعية كبيرة بدون رخصة أم مؤسسة إعلامية؟
المشكل مفتعل إذن.. والكلمة الأخيرة سوف تكون للجلسة العامة في البرلمان ..
الجدل حول المرسوم 116 المنظم للهيئة العليا المشرفة على قطاع الإعلام (الهايكا) طال أكثر من اللازم، لأنه بدأ منذ عهد حكومة حمادي الجبالي في 2012..
نحن مع حرية الإعلام وحماية التنوع وأخلاقيات المهنة الصحفية دون أي تحفظ.. مع دعم الدور التعديلي لـ “الهايكا” دون أن نتورط في إحداث مؤسسة يتجاوز دورها دور وزارات الإعلام قبل الثورة وفي الديكتاتوريات ..
المشروع الذي صادقت عليه اللجنة البرلمانية يدعم تحرير الإعلام.. لأن دور الهيئات التعديلية ليس إسناد التراخيص بل ضمان احترام أخلاقيات المهنة والتوازن في المضامين المقدمة..
*** وكيف سيقع الخروج من الأزمة السياسية العامة التي استفحلت بإثارة ملف “شبهة تضارب المصالح والفساد” الموجهة إلى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد 4 أشهر فقط من تزكيته؟
ــــ هذه الحكومة شاركنا فيها ودعمناها، رغم حرماننا من حقنا في تشكيلها ورئاستها طبق أحكام الدستور، باعتبارنا الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية.. قبلنا المشاركة فيها رغم تحفظاتنا على تركيبتها، وعلى إقصاء بعض الأطراف السياسية والحزبية التي انتخبها الشعب ..
قبلنا لكننا بقينا نطالب بجملة من الإصلاحات والإجراءات العاجلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وطالبنا بصياغة استراتيجية اقتصادية واضحة.. لذلك طالبنا بتوسيع الحزام السياسي حتى نضمن أغلبية الثلثين حول الحكومة، وننجح في بناء المؤسسات الدستورية، مثل المحكمة الدستورية، ونواجه التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية.
وزاد الأمر تعقيدا، بعد ما أثير من شبهات تضارب مصالح حول السيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وتعقد الوضع أكثر عند حديث البعض عن شبهات فساد تستهدفه..
أصبح وضع الحكومة ورئيسها صعبا جدا، خاصة أن وثيقة التعاقد الحكومية نصت بوضوح على جملة من المهام والأولويات من بينها محاربة الفساد ( البند الثاني)..
*** كيف ستتصرف كتلة حركة “النهضة” البرلمانية وحلفاؤها مع هذه الأزمة؟
ــــ مجلس شورى حركة “النهضة” قرر في اجتماعه الماضي أن ندعم حكومة الفخفاخ وأن ننتظر نتيجة التحقيق.. لكن الملفات تتعاقب وتزداد خطورة، بما يوحي بأن هذه الحكومة قد تكون جزءا من الماضي ..
نخشى أن تصبح عاجزة عن القيام بمهامها بدءا من كسب ثقة الشعب والمستثمرين في الداخل والخارج ولا في التفاوض باسم الدولة مع شركائها الإقليميين والدوليين.. لذلك فإننا ندعو الشركاء السياسيين والاجتماعيين إلى حوار عميق ودقيق حول هذا الموضوع ..
المصدر: عربي 21