“ميدل ايست اي”: زيارة قيس سعيد لباريس أكّدت عدم جديّة شعاراته وأحدثت شرخا سياسيا في تونس
تونس ــ الرأي الجديد (متابعات)
نشر موقع “ميدل ايست اي” البريطاني، تقريرا لتيري بريسيلون، تحدث في عن زيارة رئيس الجمهورية، قيس سعيد لباريس الأسبوع الماضي، والتي كانت في سياق تميز بالتقدم التركي في ليبيا، معتبرا أن قيس سعيد كان مطالبا بطمأنة فرنسا من جهة دون إحراج تونس التي تعيش وسط وضع إقليمي متحرك.
وأضاف الكاتب في التقرير الذي جاء تحت عنوان “قيس سعيد وليبيا، سيادة بدون وسيلة”، بأن زيارة الصداقة والعمل التي أدّاها الرئيس التونسي لباريس في 22 و 23 جوان الجاري، جاءت في الوقت المناسب لفرنسا، في سياق إقليمي متفجّر مع فشل محاولات ميليشيات المشير المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا إجتياح العاصمة طرابلس بعد تدخل تركيا عسكريا وترجيح كفّة حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج.
واعتبر التقرير أن إهتمام باريس بالزيارة كان بالأساس لغاية التعرّف على مقاربة الرئيس التونسي الجديد، تجاه الملف الليبي، وسبر حجم تغلغل الأتراك في المنطقة حيث أن الإدارة الفرنسية تنظر إلى تعاظم الدور التركي على أنه “خطر إستراتيجي وسياسي”، خاصة بعد أن قامت أنقرة بإستعراض عضلاتها في البحر المتوسط بتهديد سفينة فرنسية يوم 17 جوان.
وعدّد تيري بيرسيلون الأسباب التي تجعل من تعاظم التواجد التركي في ليييا خطرا وجوديا لباريس، التي من بينها إنشاء أنقرة لقاعدتين عسكريتين، علاوة على أن الشراكة التركية مع حكومة الوفاق ستعيد تشكيل الجغرافيا الإقتصادية في المنطقة، خاصة بعد إمضاء إتفاق ترسيم الحدود بين البلدين في 27 نوفمبر 2019، وهو إتّفاق يسمح للأتراك بإستغلال وتصدير الغاز المكتشف قبالة سواحل قبرص، وفي نفس السياق، فإن إنشاء قاعدة عسكرية بحرية تركية في مصراتة سيعطل الإتفاق الممضى في جانفي 2011، والذي يقضي بإستغلال شركة Bolloré Africa Logistics الفرنسية لميناء مصراطة و إدارته، كما أن سيطرة تركيا على السواحل الليبية ستمكّنها من التحكّم في الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الاوروبية، وهو ما يعني ورقة ضغط و تفاوض جديدة مع الإتحاد الأوروبي.
وخلص المقال بالإشارة إلى أن التواجد التركي والروسي في ليبيا سيتسبّب في تهميش النفوذ الأوروبي في المنطقة، وهو هدف إستراتيجي لموسكو وأنقرة رغم أن كلا منهما يدعم طرف نزاع مناوئ للطرف الآخر في ليبيا.
وعن الأهداف الأخرى للزيارة أشار الكاتب بأن اللائحة التي عرضت على البرلمان التونسي منتصف شهر جوان، وتطالب فرنسا بالإعتذار عن جرائم فترة إستعمارها لتونس لم ترق لباريس، وتم اعتبارها إشارة عدوانية يمكن أن تؤثر على وجودها في المنطقة مستقبلا.
تونس باب مفتوح!
وأشار التقرير إلى أن فرنسا لم تكن راضية عن الزيارة التي أدّاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتونس، أسابيع قليلة بعد انتخاب الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي زيارة تزامنت مع تحضيرات أنقرة للدخول في ليبيا لدعم حكومة الوفاق المعزولة حينها، كما تحدثت مستشارة في قصر قرطاج حينها عن طلب أردوغان من سعيد تمكينه من المجال الجوي التونسي لتنفيذ ضربات عسكرية في ليبيا قبل أن يقع نفي ذلك من الديوان الرئاسي التونسي.
وفي ذات السياق، عاد التقرير على المكالمة الهاتفية التي جمعت رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، برئيس حكومة للوفاق فايز السراج يوم 18 ماي، و تهنئته بتحرير قاعدة الوطية وهو ما قرئ على أنه مباركة للتدخل التركي في البلاد، الأمر الذي خلق جدلا في الساحة السياسية التونسية انتهى بلائحة عرضها “الحزب الدستوري الحر” المدعوم إماراتيا على البرلمان، لإدانة التدخل التركي في ليبيا ومساءلة رئيس البرلمان حول الديبلوماسية البرلمانية وما اعتبر اصطفافا صريحا خلف المحور التركي.
وأضاف الموقع البريطاني بأن زيارة قيس سعيد لباريس كانت إمتحانا صعبا خاصة في إزالة الألغام الديبلوماسية والداخلية، حيث أعرب إيمانويل ماكرون صراحة عن موقفه من التدخل التركي في ليبيا بقوله “ان تركيا تلعب لعبة خطرة في ليبيا”، لتكون إجابة الرئيس التونسي ديبلوماسية، بالإشارة إلى أن تدخّل أنقرة في الحرب الليبية وإن كان بطلب من حكومة الوفاق الأمر الذي منحها شرعية تفوق التي تتمتع بها الدول الأخرى، فإن أي تدخّل خارجي يشكّل خطرا على وحدة التراب الليبي وذلك في إشارة ضمنية لتدخّل الإمارات و مصر و روسيا، حلفاء فرنسا لكن كان من الصعب على قيس سعيد أن يحرج مضيّفه في الندوة صحفية، لتكون إدانته عامة شاملة لكل مظاهر التدخّل العسكري الأجنبي، مؤكدّا على ضرورة صياغة دستور ليبي بتجميع ممثّلين عن القبائل في إستنساخ لتجربة الدستور الأفغاني.
ضعف مزدوج
ووصف الصحفي مفاهيم الرئيس التونسي للسياسة الليبية بــ “القديمة” في أعين الفاعلين الليبيين الجدد فلعب ورقة القبائل لفضّ النزاع، يحيل إلى النظام القديم كما يحيل أيضا على مبادرة السلام المصرية، فهذه الفكرة يمكن أن تعطي لحفتر ما عجز عن إفتكاكه بلغة السلاح .
واستدرك التقرير بالإشارة إلى أن سعيد اعترف بالشرعية الدولية لحكومة الوفاق، لكنّه إعتبرها شرعية مؤقّتة داعيا إلى العودة إلى الشرعية الشعبية، وهو موقف على توازنه فإنه يعاني من ضعف مزدوج فلا يكفي إعلان مبدأ رفض التدخل الاجنبي لإيقافه، فمن الوهم في هذا الظرف “تأميم الصراع الليبي “، كما وقع سنة 1914 في الألزاس لورين التي كانت تمثل شأنا فرنسيا ألمانيا بحتا.
واعتبر التقرير بأن فرنسا لم تنتظر من قيس سعيد أكثر من هذا الموقف الذي يكسر تحالف تونس _أنقرة _طرابلس، وهو ما أثار حفيظة حركة النهضة في تونس، والتي قرأت موقف قيس سعيد على أنه اصطفاف وراء باريس خاصة بعد أن انتقد صراحة تواصل راشد الغنوشي مع حكومة الوفاق، واعتباره خطأ بالإشارة الى وجود رئيس جمهورية واحد و ديبلوماسية واحدة.
وعاد الموقع البريطاني على الخطأ التقديري الذي وقع فيه قيس سعيد في حواره مع قناة “france 24″، عند سؤاله عن موقفه من لائحة طلب الاعتذار لفرنسا، حيث حاول تقريب وجهات النظر خاصة أنه في ضيافة الرئيس الفرنسي، لكنّه أثار الجدل بوصفه للإستعمار الفرنسي لتونس بــ “الحماية” الأمر الذي زعزع وثوقية الرأي العام التونسي في توجّهات رئيسهم السيادوية الصلبة، كما أدّت إرتدادات هذه الزيارة على المستوى الداخلي إلى خلق شرخ سياسي في تونس، حيث لا يمكن للمساعدات الفرنسية والوعود الإستثمارية الماكرونية أن تعالجه خاصة أن هذا الإحتقان سبقه توتر بين حركة النهضة ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ المكلف من طرف رئيس الجمهورية.
لعبة إقليمية جيو استراتيجية كبرى في المتوسط
وختم التقرير بالإشارة إلى أن “سذاجة” رئيس حديث العهد بالسياسة الخارجية لا يمكنها لوحدها أن تفسّر افتقار تونس إلى القوّة لمجاراة اللعبة الإقليمية، فهذا الحياد السلبي هو نتاج للتبعية الإقتصادية و المالية، وضعف القدرة على الإنتشار العسكري بالرغم من أن الأوضاع تتعقّد من يوم لآخر في محيطها الإقليمي، حيث أصبحت ليبيا مسرحا لصراع قوى دولية على غرار تركيا و روسيا، برهان السيطرة على غاز المتوسط الذي يمكن ان يتسبب بعسكرة كل المنطقة من ليبيا حتى الكيان الصهيوني، أما في جنوب الصحراء ومنطقة الساحل فالوضع متفجّر بعجز فرنسا عن فرض السيطرة في مستعمراتها السابقة، والتي أصبحت عمقا استراتيجيا للحركات الإرهابية، وفي الغرب فإن إحتمال تعديل الدستور الجزائري للسماح للجيش بالقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد، يمكن أن يشعل سباق التسلّح بين الجزائر والمغرب…
وقال الكاتب، بأن كل هذه العوامل و التطوّرات في سياق العسكرة وحرب الطاقة تجعل من جنوبي حوض المتوسط مسرحا للعبة كبيرة بين القوى الدولية، لا تملك فيها تونس إلّا ورقة الإستقرار السياسي و سلطة ديمقراطيتها الأخلاقية و هو ما سيجعلها تتأثر بشكل مباشر على المستوى الداخلي إقتصاديا، سياسيا و اجتماعيا … متابعا “إنها حالة طوارئ فعلية و لا يبدو بأن الفاعلين السياسيين في تونس على علم بهذا الأمر”.