الدكتور خالد شوكات يكتب لــ “الرأي الجديد” عن “ثلاث قضايا تقتضي تعديل القانون الانتخابي”
بقلم / خالد شوكات**
بمقدورنا تحسين أداء النظام السياسي للجمهورية الثانية، وفتح آفاق جديدة أمام ديمقراطيتنا الناشئة لو توصَّلْنا إلى توافق وطني سواء داخل البرلمان الحالي أو في المشهد السياسي والحزبي والنخبوي العام، حول تعديل القانون الانتخابي الذي على أساسه ستنظم الانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما قد يجنّبا الذهاب إلى سيناريوهات أخرى، أكثر راديكالية وعنجهية وضبابية، وتتمثل هذه القضايا المُستوجَب حلها أو المحدّدات المفترض تكريسها كما يلي:
أوّلاً: إفراز أغلبية برلمانية حاكمة
يعدّ الاستقرار السياسي الحاجية الأولى للبلاد في ظل الأوضاع الراهنة، فقد منع اللاإستقرار الحكومي الذي تعيش تونس على وتيرته منذ نجاح الثورة في 14 جانفي 2011، والذي افرز ما يزيد عن عشر حكومات في تسع سنوات، كل إمكانية للبناء والتقدم والتنمية مما جعل الديمقراطية في عيون غالبية المواطنين غير مقنعة. ويتحمل القانون الانتخابي المعتمد طيلة الانتخابات الماضية في 2011 و2014 و2019، المسؤولية الأولى في عدم إفراز العملية الانتخابية لأغلبية برلمانية منسجمة وواضحة قادرة على الحكم طيلة الخمس سنوات المعتمدة، وتنفيذ برنامجها وتحمل مسؤوليتها وتشريع القوانين اللازمة لعملها. أن الديمقراطية لا تعني بالضرورة النسبية المائعة، وهناك تقنيات كثيرة اعتمدت في اعرق الديمقراطيات لجعل التفويض الشعبي في الحكم واضحا ومساعدا، فما بالنا بديمقراطية ناشئة هي في أمس الحاجة إلى حكومات ناجعة قادرة على الاستجابة لانتظارات شعبها في العيش الكريم وفي الدولة القوية الاجتماعية العادلة. ومن هنا فان جعل القانون الانتخابي التونسي عاملا لإنتاج فريق حكومي فاعل وجريء ومنجز أمر أكثر من ضروري لتقرير مستقبل النظام الديمقراطي.
ثانيا: تعزيز الطابع الوطني للبرلمان
لقد منح القانون الانتخابي الموروث من النظام السابق في مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية، طابعا جهويا / مناطقيا للنائب البرلماني، في وقت يشير فيه الدستور إلى أن النائب يصبح نائبا عن الشعب بأسره بعد فوزه مباشرة في دائرته الجهوية، وهو تناقض لا بد من إزالته في أول فرصة يعرض فيها القانون الانتخابي على التعديل، خصوصا بعد استكمال مسار اللامركزية بإنجاز الجماعات المحلّية الغائبة، أي الجهات والأقاليم، التي ستضم مجالسها نوّابا للعناية بمشاغل المواطنين على الصعيدين الجهوي والمناطقي، ليتفرغ نوّاب البرلمان لوظائفهم الوطنية سواء اتصل الأمر بوظيفتهم التشريعية او وظيفتهم في مراقبة العمل الحكومي. أما العدالة في تمثيل الجهات على مستوى البرلمان فيمكن ضمانها بسن قواعد أخرى غير تقنية الدوائر الانتخابية الجهوية، من قبيل فرض شروط على القائمات الانتخابية تلزمها بمراعاة البعد المناطقي عند تشكيلها. وفي ظل الأنظمة اللامركزية الحقيقية عادة ما تعتمد القائمات الوطنية المفتوحة.
ثالثا: مكافحة الرداءة وتحسين جودة النوّاب
البعد الثالث والأخير في موضوع التعديلات المطلوب إدخالها على القانون الانتخابي، هو ضرورة العمل على ضمان جودة نوّاب الشعب والمساعدة على التحسين في نوعيتهم ومكافحة النزوع إلى التفاهة والرداءة والشعبوية التي تنال مثلما هو حال مجلس نوّاب الشعب، من سمعة ومكانة أهم مؤسسات الحكم في نظام سياسي شبه برلماني، ويمكن الاستعانة هنا بكثير من التجارب المقارنة في الديمقراطيات ذات المصداقية، فممثلو الشعب يجب ان يكونوا من طليعته ونخبته وأفضل ما عنده، وان تكون غالبية أعضاء المجلس من المشهود لهم بالسمعة الطيّبة والمكانة المرموقة والوطنية الصادقة وخلو السيرة من أي شبهة، بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية والفكرية، فمن المعيب جدّا أن تكون برلمانات النظام الاستبدادي أفضل من حيث جودة نوابها ونوعيتهم وحسن سيرتهم قياسا ببرلمانات النظام والديمقراطي.
** وزير سابق وناشط سياسي