مركز “كارنيغي”: احتمالات تدخّل مصر في ليبيا تتزايد.. ولكنها ستبقى خيار السيسي الأخير
طرابلس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
نشر مركز “كارنيغي للشرق الأوسط”، مقابلة مع الباحث الرئيسي بالمركز يزيد صايغ، كان موضوعها التطورات في ليبيا وإمكانية تدخل مصر عسكريا هناك، خاصة بعد تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام التي فتح فيها الباب أمام إمكانية تدخل القوات المصرية في ليبيا، إذا عبرت قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا خط المواجهة الحالي سرت-الجفرة.
وعندما سُئل يزيد صايغ عن احتمالات تدخل مصر عسكريا في ليبيا أو الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات المدعومة من تركيا هناك، أكد أن هذه الاحتمالات تتزايد، لكنه يعتقد أن نظام السيسي لا يفضل ذلك، ويريد أن يبقيه خيارا أخيرا.
وأضاف صايغ، أنه في حال تدخلت مصر، فليس من الضروري أن يكون هذا تدخلا كاملا حتى تكون فعالة في ثني القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس ومسانديها الأتراك عن التقدم إلى خط سرت-الجفرة أو تجاوزه، وبالإضافة إلى ذلك، لا يحتاج الجيش المصري إلى التقدم إلى هذا الخط بنفسه أو مواجهة القوات المدعومة من تركيا مباشرة.
ويتوقع الباحث، أن تكون الخطوة الأولى لمصر هي عبور الحدود بقوة، وبعبارة أخرى من خلال انتشار عسكري كبير، ثم التوقف مؤقتا. وستسلط هذه الخطوة الضوء على جدية مصر وتقنع الجانب الآخر بوقف تقدمه. ولكن في أسوأ الأحوال، فإن مصر لديها القدرة على نقل عدد كبير من القوات إلى ليبيا لأنها تقع بجوارها. وفي هذه النقطة، تكون قدراتها أكبر من قدرات تركيا. ولكن حتى ذلك الحين، من المرجح أن تبقى القوات المصرية في المنطقة الحدودية الشرقية لليبيا.
مصالح مصرية
وعن إمكانية سعي مصر لأهداف في ليبيا تتجاوز المخاوف الأمنية على حدودهما المشتركة، أوضح يزيد صايغ أن المصلحة الرئيسية لمصر في ليبيا هي حماية أمنها على تلك الحدود. إذ إنها لا تثق بحكومة الوفاق الوطني وترى في تدخل تركيا تهديدا خطيرا لها. ومع ذلك، فإن دعم مصر للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر ينبع فقط من الأمل في أن يتمكن المشير من إنشاء حدود مشتركة آمنة ومستقرة. مصر لديها مصالح اقتصادية في ليبيا، حيث توفر سوقا للعمالة والمقاولين المصريين. ومع ذلك، هذه الأهداف ليست ذات أهمية كبيرة ولن تخاطر القاهرة بنشر قواتها العسكرية من أجلها.
وعن فرص مصر في الخروج من عملية التدخل كفائزة سياسية أو خاسرة، أفاد الباحث الرئيس بمركز “كارنيغي”، بأنه من المحتمل أن تكسب الدولة محليا، لأنها تتحكم في وسائل الإعلام العامة ويمكنها التلاعب بكيفية رؤية المواطنين لأفعالها ونتائجها. علاوة على ذلك، لدى المصريين تصور متصاعد بأن ليبيا تمثل تهديدا وسينظرون إلى سلوك الحكومة على أنه مشروع. ربما سيكون هناك أيضا قدر معين من التعاطف الدولي وحتى الدعم المفتوح لمصر من روسيا وبعض الدول الأوروبية.
ومن المحتمل أن تعبر الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية عن تفهمها لمثل هذه الخطوة، لكنها لن تعبر عن دعم غير مشروط لها، وذلك لأنهم سيقلقون بشأن احتمال حدوث مزيد من التصعيد العسكري في ليبيا، والصراع في البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز النفوذ الروسي. لذا من المرجح أن نرى جهودا دبلوماسية للتأكد من أن التدخل المصري دفاعي ومحدود وتدريجي.
وتعليقا على قدرة التدخل العسكري المصري على ترجيح الموازين لصالح قوات حفتر بعد الانتكاسات الكبرى الأخيرة، ذكر يزيد صايغ أن مصر تدعم بالفعل قوات حفتر. في الواقع، سيساعدهم التدخل المباشر بشكل كبير من خلال تأمين ظهورهم وتحرير القوات لإعادة الانتشار وسط ليبيا وتعزيز الروح المعنوية. كما أنه سيخفف من السخط المتزايد على حفتر في الشرق وكذلك داخل الجيش الوطني الليبي، ما لم يقرر المصريون أيضا رعاية خلف له.
كبح جماح حفتر
في جميع الحالات، من المرجح جدا أن تسعى مصر إلى كبح حفتر ومنعه من القيام بمحاولة ثانية للاستيلاء على غرب ليبيا وطرابلس، وهي خطوة عارضتها العام الماضي.
ويعتقد صايغ أن مصر ستوضح لحليفها في ليبيا أن أي دعم مستقبلي، بما في ذلك التدخل، يهدف إلى منع انهياره ولكن ليس أكثر، وأنه يجب عليه قبول عملية سياسية جديدة لحل الصراع. فالتدخل المصري لن يمثل صكا على بياض بالنسبة لحفتر.
وعن إمكانية مساعدة الدعم المعلن من دولتي الإمارات والسعودية في الدفع للتدخل العسكري المصري في كسب الحرب ضد القوات المدعومة من تركيا في ليبيا، أشار الباحث إلى أنه لن تكون هناك حرب شاملة في ليبيا. حيث يمكن للإمارات استئناف وتوسيع إمدادات الأسلحة والدور القتالي لقواتها الجوية لدعم قوات حفتر بالتنسيق مع الجيش المصري، ولكن من غير المرجح أن تحقق الإمارات التوازن أكثر مما فعلته في الماضي.
ويعتقد الباحث الرئيسي في “مركز كارنيغي”، أن الدعم السعودي سيكون في الغالب إعلاميا ودعائيا. والأهم من ذلك، أن مصر لن تخوض حربا كبيرة في ليبيا لمجرد تحقيق الأجندة الإستراتيجية للإمارات أو السعودية. وقد رأينا ذلك برفض إدارة السيسي الانضمام إلى الجهود الحربية الإماراتية السعودية المشتركة في اليمن، رغم قوة علاقتهما السياسية والاستثمارات المالية والاقتصادية الضخمة التي قامت بها الدولتان الخليجيتان في مصر. وبالتالي، ستكون نتيجة التدخل المصري جمودا إستراتيجيا، والذي نأمل أن يؤدي إلى جهد دبلوماسي أكثر جدية من قبل المجتمع الدولي لإيجاد تسوية سياسية دائمة للصراع الليبي.
(المصدر: الجزيرة نت)