فرنسا تهين رئيس تونس…
بقلم / صالح عطية
ظهر رئيس الجمهورية اليوم في مطار فرنسا الدولي، بمظهر الرئيس الضعيف بروتوكوليا، بشكل غير مسبوق في تاريخ الرؤساء التونسيين.
فقد هبط الرجل من طائرة الخطوط التونسية، دون أن يجد إلا قطعة من السجاد الأحمر، الذي افترشته له الدولة الفرنسية، دون أن تكلف نفسها مدّ السجاد الأحمر على طول الطريق بين مدرج الطائرة، ومدخل القاعة الشرفية.. ومشى رئيس تونس، مترجلا على رصيف غير لائق برئيس بلد قاد ثورات الربيع العربي، ويفترض أن تقع استضافته بشكل أفضل بكثير، مثلما حصل للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، عندما أدى زيارة دولة إلى فرنسا بعد حوالي عامين من صعوده للحكم بعد العام 2014.
ليس هذا فحسب، بل إنّ الدولة الفرنسية، أوفدت له وزير خارجيتها ببذلة غير أنيقة، وكأنه كان في حفلة عائلية بسيطة، وليس أمام رئيس دولة منتخب بأكثر من مليونين ونصف المليون تونسي، ربما أكثر حتى مما حصده الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صاحب الدعوة لهذه الزيارة.
لم يكلف ماكرون نفسه، الحضور بالمطار واستقبال ضيفه، رئيس الجمهورية التونسية، مثلما يفعل مع بقية رؤساء العالم، الذي كان يفترض أن يحظى بتبجيل كبير، ليس لكونه ضيفا على فرنسا، فحسب، ولكن لأنه قادم إلى الحكم بشكل ديمقراطي، ومن المنطقي أن تكون فرنسا مسرورة ومرتاحة لزيارة الرئيس التونسي، الصاعد للحكم بانتخابات، لطالما كانت فرنسا تضغط على بورقيبة وبن علي من أجل أن تكون لهما انتخابات ديمقراطية شفافة على النحو الذي حصل ويحصل في تونس، بإرادة شعبها، وليس بإرادة فرنسا..
اشتعل الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل لافت، تنديدا بهذه الصورة التي حصلت لرئيس الجمهورية، قيس سعيّد، ولكن حزنا وأسفا على تونس، التي ترفع لائحة لمطالبة فرنسا بالاعتذار على جرائمها في تونس، فيواجه رئيسها الذي صمت إزاء هذه اللائحة، بمثل هذا القبول، الذي أقل ما يقال عنه، أنه لا يليق بتونس الثورة، تونس الانتقال الديمقراطي، تونس المستقلة..
إنها إهانة للتونسيين بجميع أطيافهم ومكوناتهم..
بل هي رسالة فرنسية مضمونة الوصول، مؤداها، أن تونس ما تزال ذلك البلد الصغير المستعمر من قبل فرنسا، وأنّ رئيسها رجل كما قالت الصحف الفرنسية “مبتدئ وعديم الخبرة”، وهو ما اتضح جليا في مقابلة وزير خارجية فرنسا له، والطريقة التي كان يتحدث بها معه، والأسلوب الذي كان ينظر إليه من خلاله، وكأنه يكتشف شخصية مثيرة للاستغراب.
حدّث ولا حرج عن تعامل الرئيس الفرنسي، إ.م، مع الرئيس التونسي، إذ لم يترك له فرصة الخطابة المطولة عليه، وكان مستعجلا، وكأن فوق رأسه الطير، بل بدا ماكرون، وكأنه يقوم بمهمة محددة، فلا حميمية في العلاقة، ولا أي نوع من الحرارة في اللقاء والحديث، حتى ابتسامات رئيس فرنسا، كانت مصطنعة، ورتيبة، تنم عن “حقرة” لرئيس تونس، من ناحية، ولكن لتونس وشعبها أيضا، من ناحية أخرى..
إنه الردّ الفرنسي على لائحة الاعتذار، رغم أنها لم تمرّ، ولم تتم المصادقة عليها في البرلمان..
“حزب فرنسا”، في تونس، بالتأكيد فرح مسرور، لكن التونسيين اليوم يقفون مشدوهين إزاء ما حصل..
على الطبقة السياسية الوطنية، أن تدفع بكل جدية باتجاه إعادة النظر في العلاقات الفرنسية التونسية، بعيدا عن ذلك المنطق الممجوج: فرنسا الأولى في مبادلاتنا التجارية، وهي الداعم الثقافي لتونس، وهي التي تحتضن مليون تونسي أو أكثر.. ذرائع الخائفين، وتعلات المهزومين…
تاريخ الشعوب، يبدأ بموقف أو قرار أو خيار.. فهل لدينا في هذه الحكومة الراهنة والطبقة السياسية الحالية، رجل يمكن أن يفرض خيارا من هذا القبيل، بعيد الاعتبار لتونس بعد هذه المهانة التي ليس بعدها مهانة..
بالأمس، وقف البرلمان الأوروبي، ضاحكا وباكيا عندما زارهم الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي، ذاك رئيس ومرحلة.. وهذا رئيس ومرحلة أخرى… نتمنى ألا تطول..