(تقرير) حراك تطاوين.. شريط الأحداث والتطورات في تداعيات اعتصام الكامور بين رواية التنسيقية ووزارة الداخلية
تونس ــ الرأي الجديد / حمدي بالناجح (تقرير)
تعيش مدينة تطاوين لليوم الثالث على التوالي حالة من الاحتقان والاضطراب، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت بالتنديد بفض “اعتصام الكامور”، وتحولت إلى عمليات كر وفر بين القوات الأمنية والمتظاهرين، وحالة من الهلع بين بقية المواطنين بسبب الاستخدام المكثف للغاز المسيل للدموع بين الأحياء والمنازل.
بداية الاحتجاج..
انطلقت الأحداث عندما قررت السلطات الأمنية في تطاوين، مداهمة خيام الاعتصام المطالب بتطبيق ما تبقى من “اتفاق الكامور”، في عدة نقاط داخل المدن والأرياف.
وأكدت “تنسيقية اعتصام الكامور”، على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك”، أن الاعتصام الذي تم إقراره “كان سلميا منذ البداية”، وقد أخذ “بعين الإعتبار مصلحة البلاد والعباد، ولم يرغب من خلاله المعتصمون، في تعطيل سير المؤسسات العمومية والخاصة”، وفق قولهم.
وأكدت التنسيقية، أن اعتقالات واعتداءات حصلت، “يندى لها الجبين”، حسب وصفها، معتبرة أن “الوضع كارثي وينبئ بما هو أعظم”.
وكان عدد من المتظاهرين، خرجوا للمطالبة بإطلاق صراح المعتقلين، الذين أوقفتهم قوات الأمن، بذريعة التسبب في الفوضى، على إثر اعتقال شخص مفتش عنه..
وندد المتظاهرةن، بالأسلوب القمعي للسلطات الأمنية، التي واجهت حراكهم بالاستعمال المكثف للغاز المسيل للدموع.
خصوا بعد أن قام عدد من المتظاهرين، بغلق الطرقات وإشعال العجلات المطاطية، والرد على التواجد الأمني بالحجارة، وفق الرواية الأمنية..
وعبّر أحد أعضاء تنسيقية الاعتصام، في تصريح إعلامي، عن استغرابه من “التدخل الأمني العنيف”، الذي أسفر، حسب قوله، عن جرح عديد المعتصمين، وإيقاف عدد آخر منهم، قبل أن يتم إطلاق سراحهم مساء أمس، فيما تم الاحتفاظ بالناطق الرسمي للتنسيقية، طارق الحداد.
وأفاد مصدر أمني مسؤول بالجهة “أن المواجهات الأمنية حتمتها الاعتداءات التي استعمل فيها المحتجون الحجارة والمقذوفات وزجاجات المولوتوف، والهجومات التي استهدفت مجمع مراكز الأمن بتطاوين بقصد حرقه”، على حد قوله.
كما أشار مصدر أمني آخر إلى أن عناصر دخيلة عن المعتصمين أججت الوضع وأساءت لهم باستعمال وسائل إجرامية، وأن عددا من المشتبه بهم يجرى التحقيق معهم، وفق روايته.
وقد عبرت “تنسيقية اعتصام الكامور”، في مناشير عدة رفضها للاعتداء على مؤسسات الدولة أو الرد على اعتداءات الأمنية، وما تصفه بمحاولات تشويه الاعتصام من قبل بعض المتظاهرين.
“الداخلية” برواية مخالفة..
وفي رواية مخالفة لرواية المعتصمين، أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ لها أمس، “أنه على إثر قيام الوحدات الأمنية بالقبض على شخص محل عدة مناشير تفتيش لفائدة هياكل قضائية من أجل تورطه في مجموعة من القضايا المتعهد بها من طرفها ووضعه على ذمتها، تولت مجموعة من الأشخاص المتعاطفين معه، القيام بغلق الطريق العام وتعطيل السير الطبيعي لحياة مواطني مدينة تطاوين.
وأضافت الوزارة، أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف الوحدات الأمنية والتحاور معهم لإقناعهم بالعدول عن ذلك، فقد شهدت الأوضاع تطورات “بلغت حد المبادرة بالاعتداء على الوحدات الأمنية المتعهدة بحفظ النظام بالمدينة، مما أسفر عن إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف أعوان الأمن ليتم نقلهم لتلقي العلاج”، وفق البلاغ.
وأشارت الوزارة، إلى أن هذه المجموعات عمدت “إلى محاولة الاعتداء على المجمع الأمني بالجهة بواسطة الزجاجات الحارقة “مولوتوف”، وهو ما يشكل خطرا محدقا يهدد سلامة الاعوان والمقرات، مما أجبر الوحدات الأمنية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المقرات واستعمال الوسائل المتاحة قانونا”، مؤكدة على أنه تم “احترام التناسب في ردة الفعل وضبط النفس وعدم الانجرار وراء التصعيد الواضح من طرف هذه المجموعات”.
ولفتت وزارة الداخلية، إلى أنه تم إلقاء القبض على 10 أشخاص من محاولي الاعتداء على المقرات الأمنية، داعية المحتجين “إلى عدم مواصلة الانخراط في هذه الأعمال المُجرمة قانونا، والتي من شأنها تهديد سلامة المواطنين والسكينة العامة فضلا عن سلامة أعوانها وإطاراتها ومقراتها الأمنية”.
لا حوار مع المحتجين
وفي السياق ذاته، صرح والي تطاوين عادل الورغي، بأن التدخل الأمني يأتي في إطار تطبيق القانون، لفتح الطرقات أمام جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، والقبض على شخص صدرت في شأنه ثلاثة مناشير تفتيش.
وأكد عادل الورغي في تصريح إعلامي سابق، أن قوات الأمن في حالة دفاع عن مقراتها، نافيا إمكانية الحوار مع المحتجين، أو مع تنسيقية المعتصمين في الوقت الراهن.
وشدّد الورغي، على أن “اتفاق الكامور” “لن يقبر”، وأنه دائم المتابعة لبنوده، مفيدا بأن جلسة ستعقد بوزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي، يوم 23 من الشهر الجاري، للنظر في ملف الزيادات في أجور عملة شركة البيئة والغراسات والبستنة، وانتداب الخمسمائة الأخيرة من الثلاثة آلاف عون وإطار كما نص الاتفاق.
الجيش يتدخل
في غضون ذلك، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني، الرائد محمد زكري، اليوم الاثنين، أنّ الجيش الوطني تدخّل لتأمين مراكز السيادة بولاية تطاوين، إثر حالة الاحتقان التي شهدتها الجهة منذ ليلة الأحد.
وقال محمد زكري، في تصريح إذاعي، أنّ “تدخّل الجيش جاء بطلب من والي الجهة عادل الورغي، إثر جلسة عقدت بمقر الولاية”، مشيرا إلى أنّ الجهة شهدت منذ ليلة أمس الى حدود صباح اليوم، حالة من الهدوء الحذر، لافتا إلى تواصل تمركز قوات الامن بكثافة وبقاء المحتجين في الشوارع.
وأكّد زكري، أنّه تمّ اطلاق سراح كلّ الموقوفين من المعتصمين باستثناء طارق الحدّد.
إضراب عام.. ورفض
وعلى إثر تطور الأحداث، أعلن الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين، الاضراب العام اليوم الاثنين، للتنديد بالتدخل الأمني لفض اعتصام الكامور وتعبيرا عن التمسك بعقد مجلس وزاري في أقرب الاجال.
وعبر الاتحاد الجهوي، في بلاغ له، عن استعداده لخوض أشكال نضالية أكثر حدة في صورة عدم إطلاق سراح الموقوفين إثر فض اعتصام الكامور بالقوة.
واعتبر أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل، أن الاعتداء على المعتصمين يعدّ استهدافا لمصداقية المنظمة وإجهاضا لدورها في ربط قنوات التواصل بين المعتصمين والحكومة، ونجاحها في دفعها إلى اتخاذ القرار بعقد مجلس وزاري خاص بالجهة.
في مقابل ذلك، انتقدت “تنسيقية إعتصام الكامور”، قرار الاتحاد العام التونسي للشغل، رافضة الخضوع لما وصفتها بــ “ساليب إتحاد الشغل للركوب على الأحداث”.
وأكدت التنسيقية، في بلاغ لها، رفضها تطبيق الإضراب العام المعلن عنه اليوم، مشددة على أنها ستحدّد مصيرها بنفسها مع الدولة، “بدون أي تدخلات لا من أحزاب “سفيهة” ولا من أشباه نواب ولا من خراب سمي باتحاد الشغل”.
أحزاب تدين..
وانتقدت مجموعة من الأحزاب، تعامل الحكومة التونسية والسلطات الأمنية في الولاية، مع التحركات الاحتجاجية خلال اليومين الماضيين، معبرة عن إدانتها لما وصفته بــ “التعامل القمعي” مع الحراك الاجتماعي المطالب بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وأكدت أحزاب سياسية في بيان مشترك، عن “تمسّكها بالعمل المُشترك بين القوى الاجتماعيّة والتقدّميّة، وتطويره، تصدّيا لخيارات المنظومة الحاكمة المُملاة من صندوق النّقد الدّولي”.
وضم البيان توقيع كل من “الحزب الاشتراكي” و”حزب العمال” و”حركة تونس إلى الأمام” و”الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي” و”حركة البعث” و”التيار الشعبي”.
فيما أعرب “حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد”، (الوطد)، عن “مساندته للشباب المحتج واعتصامه ومطالبه المشروعة”، مطالبا بالافراج “الفوري” عن الموقوفين و محاسبة كل المسؤولين عن انتهاك حق الاحتجاج وقمع المعتصمين، وفق ما ورد في بيان أصدره أمس.
وعبّر حزب “حراك تونس الإرادة”، في بيان له كذلك، عن “استيائه الكبير واستنكاره الشديد لما وقع من مداهمات أمنية لتجمع الكامور، وما تبعه من وضع أمني غير مستقر ومتوتر”.
ودعا “الحراك” إلى عدم تأجيج الوضع وتأزيمه بطرح مائدة للحوار لحل الأزمة، داعيا إلى تطبيق الاتفاق الممضى بين الاتحاد العام التونسي للشغل، والحكومة وإطلاق سراح الموقوفين الذين ثبت عدم تورطهم في أعمال غير قانونية.