حسب “الأناضول”: الإمارات تستهدف تونس والمغرب والجزائر لبناء “نظام إقليمي جديد”
الرأي الجديد (وكالات)
منذ سنوات، تبذل دولة الإمارات جهودًا مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، وبينها تونس، بهدف بناء “نظام إقليمي جديد” ينسجم مع تصوراتها، وتشن لتحقيق ذلك هجمات تستهدف منع تعزيز الديمقراطية، ونشر الفوضى في بلدان عديدة.
وبالنظر إلى الأنشطة الإقليمية الأخيرة، يمكن القول بسهولة إن سياسات الإمارات تتسبب بفوضى وعدم استقرار في المنطقة.
كما أن الإمارات، وعلى عكس السعودية، وهي الشريك الأكثر أهمية للتحالف العسكري العربي باليمن، تقدم دعمًا للقوى الانفصالية جنوبي اليمن، وكذلك دعمًا ماليًا ودبلوماسيًا لدكتاتورية الأسد في سوريا، وتساهم في تفكيك وحدة هذا البلد.
وفي دول أخرى، مثل الصومال، توفر الإمارات دعمًا ماديًا لمنظمات إرهابية، وتعمل على إيجاد بيئة غير آمنة لتحصل على نفوذ في المنطقة.
كما تدعم أبو ظبي وولي عهدها، محمد بن زايد، “مشاريع قذرة” تهدف إلى بيع فلسطين لإسرائيل، على يد مهندس هذه المشاريع، محمد دحلان.
دعم المرتزقة
بشكل أساسي، تهدف الإمارات من مشاريعها، التي لم نذكر منها سوى النذر اليسير، إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإيجاد نفوذ لها في المنطقة.
ويمكن تلخيص هذه المشاريع بأنها “جهد لبناء نظام إقليمي جديد”. وبهذا المعنى، يُلاحظ أن الإمارات تقيم تعاونا ملحوظًا مع الروس في ليبيا، عبر تمويل مرتزقة تابعين لشركة “فاغنر” في البلد العربي، لدعم الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، ضد الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليًا.
ومن خلال التعاون مع نظام الأسد في سوريا، تحاول أبو ظبي موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين بهدوء، وذلك على المستويات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.
الإمارات، وهي تمتلك قدرة عسكرية محدودة للغاية، تحتاج إلى حلفاء إقليميين لبناء هذا النظام الإقليمي المأمول، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في كل جولة مهزومة أمام تركيا، القوة الإقليمية المهمة بالمنطقة.
ولهذا تسعى أبو ظبي إلى بذل جهود نشطة في المناطق التي تشهد نشاطًا تركيًا، ويمكن قراءة أنشطة أبو ظبي في ليبيا والأزمات ذات الصلة بهذه الطريقة.
كما تركز أبو ظبي على استهداف الجهات الفاعلة، التي لا ترغب في أن تكون جزءًا من مشاريعها في اليمن وليبيا وغيرهما، أو حتى الجهات الفاعلة التي تعمل على تطوير سياسات محايدة وعلاقات وثيقة مع أنقرة، كما هو الحال في الهجمات الإماراتية، التي تستهدف جهات فاعلة في المغرب وتونس.
استهداف الإسلاميين
إن أحد العناصر الفرعية للإمارات في إقامة “نظام إقليمي جديد”، هو تدمير أي حركة إسلامية قد تشكل تهديدًا لأمن نظامها، ويتم تنفيذ هذه السياسة داخل الدولة، وعلى مستوى دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي.
وفي وقت يتم فيه الضرب بقبضة من حديد على أيدي جميع الإصلاحيين، وخاصة الصحفيين الناقدين مثل أحمد منصور، فإن الحظر المفروض من السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ 2017 على قطر، التي تستضيف أسماء مهمة في جماعة الإخوان المسلمين، يتم تنفيذه على صعيد منطقة الخليج.
وعلى الصعيد الإقليمي أيضًا، تشن الإمارات حربًا على دول إقليمية، مثل تركيا، حيث تدعي وجود تحالف بين أنقرة وحركة الإخوان.
وتنظر أبو ظبي إلى شخصية مثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على أنه يشكل فرصة يجب اغتنامها على نطاق عالمي، حيث تمارس أنشطة ضغط، بمساعدة واشنطن، وتواصل في الوقت نفسه تعزيز تعاونها مع قوى كبرى، كالصين وروسيا.
ورغم أن هذه السياسة الخارجية العدوانية والطموحة للإمارات تتجاوز قدراتها، إلا أن الطموحات السياسية تمنع التفكير العقلاني للنخبة السياسية في أبو ظبي.
في الواقع، ورغم تداعيات جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) على الاقتصاد الإماراتي، إلا أن أبو ظبي تواصل أنشطتها خارج حدوها، ولعل خير مثال على تلك السياسات، أنشطتها في بلدان شمال أفريقيا.
وتعمل الإمارات على إظهار الحكومة المغربية وكأنها فاشلة في مواجهة “كورونا”، وتعمل بالطريقة نفسها على استهداف تونس، عبر حملات موجهة في وسائل التواصل الاجتماعي.
عمليات تحريض
وزعمت قناة “العربية”، تعمل بتمويل سعودي ومقرها الإمارات، أن راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة “النهضة” (إسلامية)، الذي عاد من المنفى عام 2011 مع “ثورة الياسمين”، تمكن من امتلاك ثروة مالية بوسائل غير مشروعة.
ويعمل تلفزيون “الغد”، ومقره مصر وهو امتداد للمحور الإماراتي السعودي، على الإسهاب في الترويج لهذه القضية، وتحاول القناة، التي تأسست على يد دحلان بتمويل إماراتي، إيجاد تصور بأن الشعب التونسي لا يثق بحكومته، ولا بالتحقيقات الجارية في هذا الصدد.
وتزامنت هذه الإدعاءات مع نقاشات يشهدها الشارع التونسي حول العواقب الاقتصادية الناجمة عن الإجراءات المتخذة لمكافحة الفيروس.
ويمكن القول إن الإمارات تعمل على التأثير في الشؤون الداخلية التونسية من خلال أذرعها هناك.
ودعمت أبو ظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة “النهضة”، عام 2013، كما دعمت حزب “نداء تونس” ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي الراحل، الباجي قايد السبسي، لكسر تحالف النهضة – نداء تونس، الذي بزغ عقب انتخابات 2014.
وبالمثل، مولت أبو ظبي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، عام 2018، لإيجاد أزمة مصطنعة باتخاذ قرار لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، عبر منع التونسيات من دخول الإمارات.
كما عملت أبو ظبي على توجيه السياسات الداخلية التونسية، بدعم وزراء مثل لطفي براهم، ونبيل القروي، زعيم حزب “قلب تونس”، إلا أن جميع خطواتها باءت بالفشل.
ومن خلال الأزمة المفتعلة ضد الغنوشي، دعت مجموعات الذباب الإلكتروني، التابعة للمحور الإماراتي السعودي، البرلمان التونسي إلى سحب الثقة من الحكومة الائتلافية (تشارك فيه “النهضة”).
وعبر وسائل إعلام تابعة لهذا المحور، مثل “العربية” و”سكاي نيوز”، وجهت شخصيات تونسية تابعة لذلك المحور، مثل عبير موسى، انتقادات لاذعة للغنوشي، معتبرة أن احتجاجات تونس، بداية من ديسمبر 2010، لم تكن ثورة. لينتقل بعدها النشاط الإماراتي من تونس إلى التدخل في الشؤون الداخلية الليبية.
مساعدة تونس في أزمة “كورونا”
في الواقع، وبحسب أنباء صحيفة “القدس العربي”، أرادت الإمارات مساعدة تونس في مكافحة تفشي كورونا، وأثارت المحادثة الهاتفية بين “بن زايد” والرئيس التونسي، قيس سعيد، في 14 أفريل الماضي، خلافات سياسية في الداخل التونسي.
كثير من المراقبين فسروا هذا الحدث، الذي جاء بعد فتور في العلاقات بين البلدين لسنوات عديدة، بأنه محاولة من “بن زايد” لسحب تونس إلى ليبيا، تحت ذريعة المساعدات.
جاء اتصال “بن زايد” بالرئيس التونسي بعد خسائر متتالية مُني بها حفتر في ليبيا وفقدانه السيطرة على مناطق على الحدود التونسية الليبية.
وقد يُطلب من المليشيا المدعومة من الإمارات دخول الحدود التونسية عند الضرورة.
لكن ما تريده أبو ظبي من تونس، القريبة جغرافيًا من حفتر المهزوم ميدانيًا، هو لعب دور عسكري وسياسي في ليبيا.
وتسعى الإمارات إلى توفير مزيد من الدعم لحفتر شرقي ليبيا، وإناطة مسؤولية دعم حفتر في الغرب بتونس.
وبالنتيجة، يمكننا القول إن أبو ظبي تبذل جهودًا محمومة لتوجيه السياسة التونسية الداخلية والخارجية لبناء النظام الإقليمي الذي تتصوره، والذي يتم فيه القضاء على الحركات الإسلامية، وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية للبلاد بأدوات اقتصادية، والحد من نشاط بعض البلدان الفاعلة في المنطقة، مثل تركيا.
إن الهجمات التي تقودها الإمارات ضد دول شمال أفريقيا، بما فيها تونس، تخدم هذه الفكرة أيضًا. لذلك، نرى أن جهود أبو ظبي لمنع تعزيز وترسيخ الديمقراطية في تونس، ليست بمنأى عن جهود تبذلها بعض النخب السياسية ضد الحركات الديمقراطية في المنطقة.
الأزمة الليبية
ويمكن القول إن هناك سببين أساسيين لوضع المغرب وتونس والجزائر على قائمة الأهداف الإماراتية.
الأول هو أن هؤلاء الفاعلين لا يخدمون النظام الإقليمي المطلوب تأسيسه تحت قيادة الإمارات.
وبعبارة أخرى، لم يتم احتواء هذه الدول ضمن محور الوضع الراهن، الذي تقوده الإمارات والسعودية، بسبب انتهاج تلك الدول سياسات مستقلة نسبيًا.
لذلك، بقي الشغل الشاغل للإمارات هو تحويل تونس والجهات الفاعلة الأخرى، كالمغرب والجزائر، إلى بيادق في النظام الإقليمي الجديد، الذي تحاول أبو ظبي تأسيسه.
والسبب الثاني هو وجود حركات إسلامية أقلية أو أغلبية في دول شمال أفريقيا هذه (تونس والمغرب والجزائر).
وعملت أبو ظبي على استهداف الدول التي لا تقع تحت “هيمنتها”، وتتسامح مع الحركات الإسلامية.
ولا يمكن الفصل بين عملية استهداف تونس والتوازنات في ليبيا، حيث تعمل الإمارات على توجيه السياسة التونسية لضرب الحركات الإسلامية أو الديمقراطية، ولعب دور نشط في الحرب الأهلية بليبيا، والحد من نشاط تركيا في المنطقة.
إن بقاء ليبيا محايدة رغم جميع الإغراءات السياسية للإمارات خلال الأزمة، شكل في الواقع مصدر انزعاج لأبو ظبي.
ورغم أن الحكومة الشرعية في ليبيا تؤكد دعمها لكل من الجزائر وتونس، إلا أن الأخيرة رفضت مرور الدعم العسكري التركي لحكومة فائز السراج الشرعية في طرابلس عبر أراضيها.
لذلك، يمكننا القول إن الحكومة التونسية تعمل وفق مصالحها الوطنية، ولا تتمسك بطرف محدد، سواء كان تركيًا أو إماراتيًا.
غير أن الإمارات لا يروق لها حياد تونس، فتعمل على استهداف هذا البلد، لكن بطريقة ترتبط إلى حد كبير بالتغيرات في الموازين بمنطقة شرق البحر المتوسط.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاتفاقيات التي وقعتها تركيا والحكومة الليبية، المعترف بها من المجتمع الدولي، وكذلك الدعم التركي المقدم للحكومة الليبية، مكن حكومة السراج من تغيير التوازنات على الأرض، ووضع حدًا لهجمات الجنرال الانقلابي حفتر ضد قوات الحكومة الشرعية.
كل ما سبق جاء رغم الدعم الذي توفره الإمارات لحفتر، بتمويل المرتزقة الروس وإرسال الإمدادات العسكرية له جوًا.
كما أدت الاتفاقية الموقعة بين الحكومتين التركية والليبية في ديسمبر الماضي، والتدخل العسكري التركي في ليبيا، والدعم العسكري التركي المقدم لحكومة السراج، إلى خلط أوراق الخطط الإماراتية تجاه شرق المتوسط.
تحاول الإمارات من خلال تعزيز قوة حفتر وإقحام تونس في المعادلة الليبية، تغطية هذه الخسارة، لهذا تعمل على استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، تمامًا كما تفعل في الساحة السورية.
(المصدر: وكالة الأناضول)