تقرير أميركي مثير: “نهب الدولة” يتواصل.. تسوية النهضة مع النظام القديم تتسبب في تهديد الديمقراطية الوليدة
الرأي الجديد (متابعات)
دعا تقرير أميركي جديد، إلى ضرورة “تجنيب تونس انفجارات اجتماعية في المستقبل، يستدعي “تسويات حقيقية لتسهيل تقاسم الثروة”، وتحصيل “ضرائب أكثر من الجماعات (الفئات) الاجتماعية المُتمتعة بالامتيازات”.
وحذّر مركز التفكير (think tank) الأمريكي الدّولي “كارنيغي”، في أحدث تقرير له حول تونس، من أن استشراء “الفساد والمحسوبيات” على نطاق واسع في البلاد بات “يهدد التجربة الديمقراطية التونسية برمّتها”.
وفي التقرير الذي يحمل عنوان “جغرافية الغضب في تونس: التفاوتات الجهوية وصعود الشعبوية”، قال المركز إن ودعا المركز “النخب الحاكمة الجديدة”، إلى “تبنّي خيارات اقتصادية صعبة، وإحداث تغييرات بنيوية عميقة”، و”تنفيذ إصلاحات زراعية حقيقية يمكنها أن تُطلق قوى الإنتاج من عقالها في المناطق الداخلية”، إضافة إلى “القطع مع اقتصاد الريع، بهدف ضمان الموارد المالية والاقتصادية التي يجب أن توظّف في تطوير هذه المناطق”.
حركة النهضة تتحمل المسؤولية
وحمّل المركز (حركة النهضة) القسط الأكبر من المسؤولية عن تردّي الأوضاع العامة في تونس، وعن تواصل عمليات “نهب الدولة”، بعد “فشلها في تحقيق تغيير يُعتدّ به”، خصوصا في الإصلاح الجبائي أو الفلاحي، معتبرا أنّ هذا الفشل، يعود إلى “براغماتية الحركة” و”عجزها أو خشيتها من النخب الاقتصادية القائمة”.
وقال في هذا الشأن: “رغم أن الحزب مارس نفوذا على برلمان 2014، فإنه فشل في تشريع إصلاحات جبائية، أو في الدفع نحو إصلاح فلاحي، وإعادة تقسيم الأراضي، إذ أثبت عجزه أو عدم استعداده لاستعداء أصحاب المصالح المتنفذين والنخب الاقتصادية، أو جذب انتباه الرأي العام، إلى فداحة عدم المساواة الاقتصادية والجهوية”.
واعتبر أنّ حركة النهضة، “قلّلت المجابهات، وحاولت اللعب على حبلين. صحيح أن هذه المقاربة ضمنت دمج النهضة في الحياة السياسية، وحمَت الديمقراطية الناشئة، بمعناها الأوّلي، إلا أن التوافق السياسي بين الإسلاميين الُممثلّين بالنهضة، وبين النخب من النظام السابق، مُجسّدة بحزب نداء تونس، كان له ثمن، وهو “وضع الإصلاحات الاجتماعية- الاقتصادية الملموسة والأساسية على الرفّ”.
واعتبر “كارنيغي”، أنّ “حزب النهضة، بتغليبه النفعية السياسية، سمح لهياكل النظام القديم بمواصلة نهب الدولة والإثراء”، قائلا: “إن حزب النهضة وممثلي النظام القديم، كانوا “براغماتيين بما فيه الكفاية، للاتفاق على تقاسم السلطة. بيد أن تونس تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك”..
النقابات والأعراف و”حق الفيتو”
إلى ذلك، لاحظ المركز أن الدور المؤثّر الذي لعبه كل من الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، ضمن الحوار الوطني، الذي أخرج البلاد من الأزمة السياسية الحادة التي اندلعت سنة 2013، منح المنظمتين “حق النقض (الفيتو)، على القرارات الاجتماعية- الاقتصادية التي قد تكون لغير صالح قواعدهم”.
وقال في هذا الخصوص : “معروف أن اتحاد الاعتراف يهتم أساساً بمصالح هؤلاء، فيما الاتحاد العام التونسي للشغل يعطي الأولوية للمزايا الاجتماعية التي تحصل عليها الطبقات الوسطى المُعتمدة على الدولة- أي الأشخاص العاملون في القطاع العام- على حساب العاطلين عن العمل، والمناطق المهمّشة، والسكان غير المُنتمين إلى نقابات والناشطين في الاقتصاد غير الرسمي”.
ولفت إلى أن اتحاد الشغل “أصبح أكثر تركيزاً على التفاوض لزيادة الرواتب والمزايا الاجتماعية لقواعده”..
الفساد.. والتحالفات السياسية الانتهازية
اعتبر المركز أن “تحييد التغيير الاقتصادي والاجتماعي” في تونس، أدى إلى “إشعال السخط في صفوف المواطنين المُهمشين، والشبان المحرومين”، وأضفى الصدقية على الرأي القائل، “إن كل السياسيين منسوجون من قماشة الجشع نفسها”، وفق ذات التقرير الأميركي.
ووفق التقرير، فالتونسيون، أصبحوا منذ العام 2011، “على قناعة بأن الفساد المستشري لوّث كل مراتب الاقتصاد وأجهزة الأمن والنظام السياسي في البلاد”. وذكر المركز “إن آمال التونسيين في تحقيق حوكمة محلية وشفافة، أُحبِطت بسبب التحالفات الانتهازية والمُتقلبة بين الأحزاب السياسية، خصوصا عقب المحطات الانتخابية الرئيسية، إضافة إلى عجز المجالس البلدية المنتخبة، عن تلبية الحاجات الملحة للسكّان.
وتطرّق المركز إلى “الفساد والمحسوبيات” في برامج التشغيل التي أقرتها حكومات ما بعد 2011، على غرار برنامج العمل في الحضائر.
خطر على الديمقراطية الوليدة
وتحدث التقرير بشكل مفصل عن ألاعيب ما أسماها بــ “الأعيان المحليين والبيروقراطيين النافذين”، الذين قال إنهم “عمدوا إلى تحوير واختلاس الموارد المرصودة لهذه البرامج المؤقتة لخلق وظائف زائفة، أو إلى توزيع الوظائف على نحو غير عادل لمصلحة قواعدهم وشبكاتهم الشخصية”.
وأكد أن “مسؤولين بارزين”، عرقلوا إنجاز الاستثمارات التي تشتد إليها الحاجة في المناطق الداخلية، مشيرا إلى أنهم “استخدموا سلطاتهم لتعليق مشاريع الاستثمار والقروض المصرفية أو الرخص، إلى أن يحصدوا الغنائم الشخصية”.
وانتهى التقرير إلى أن النخب السياسية لمرحلة ما بعد 2011 “مالت إلى إعادة إنتاج التحالف الاجتماعي عينه، الذي حافظ عليه نظاما بورقيبة وبن علي، على حساب سكان الجهات الداخلية، ما يكرّس إقصاء هذه المناطق، حتى في إطار الزخرف الديمقراطي” محذرا من أن هذا التحالف “كان سند الأنظمة السلطوية”.
وحذّر المركز من أن يشكّل “الشعبويون” خلال المدييْن المتوسط والبعيد، تهديداً “أخطر” على الديمقراطية التونسية الوليدة، خصوصا في حال تواصل تفاقُم “السّخط الشعبي من السياسات الحزبيّة” و”شعور الشعب بالظلم الاجتماعي”..