سلسلة حرائق تثير قلق التونسيين ومخاوف النخب.. الأسباب مجهولة.. واللوبيات تتربص
الرأي الجديد / سندس عطية
أثارت سلسلة من الحرائق الهائلة، في الأيام الأخيرة، مخاوف التونسيين، وتسببت في قلقهم من إمكانية تكرار مثل هذه الحوادث التي استهدفت مصانع وشركات ومزارع وغابات، ولعل ما زاد في تنمية هذا القلق لدى قطاع واسع من المواطنين، وحتى في صفوف النخب السياسية، توقيت هذه الحرائق، وكثافتها، وما يمكن أن ينجرّ عنها من تداعيات، في قوت تستعدّ البلاد لمرحلة ما بعد كورنا.
وشهدت البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، حراكا مهما ونشيطا لوحدات الحماية المدنية ورجال الإطفاء، الذين اشتغلوا في أوقات دقيقة وحساسة (بالليل)، وكانوا يلهثون في اتجاهات مختلفة، بسبب اندلاع الحرائق في عدّة جهات من البلاد، واستمرار عملية إخماد الحرائق لساعات طويلة.
هلع وخوف التونسيين
وهيمن الخوف والهلع، مساء الخميس المنقضي، على الأحياء السكنية المحاذية للمنطقة الصناعية بالنفيضة، بعد أن امتدّ حريق إلى المنازل، رغم كل الجهود المبذولة من قبل عناصر وجهاز الحماية المدنية لإخماد الحريق خلال ساعات طويلة، بسبب تمدد النيران في أرجاء المصنع.
واندلع الحريق في مصنع الورق، التابع للقطاع الخاص، قبل أن يمتدّ إلى عدّة مؤسسات اقتصادية أخرى مجاورة.
وأكّدت وزارة الداخلية، في بلاغ لها، أنّ مصالح الديوان الوطني للحماية المدنية، سخّرت الموارد المادية والبشرية الضرورية لعمليات الإطفاء، من الإدارة الجهوية للحماية المدنية في سوسة ونابل والقيروان وزغوان والمنستير وبن عروس وتونس والمهدية والوحدة المختصّة، إضافة إلى شاحنة إطفاء تابعة لمطار النفيضة الدولي وشاحنة تابعة لإدارة الغابات.
وجاء في بلاغ الوزارة، أنّ المصالح المركزية للديوان الوطني للحماية المدنية، “تولّت تسخير فرقة الدعم والإسناد التكتيكي، لمؤازرة جهود فرق الإطفاء، بالاعتماد على طائرتي “درون” مجهّزيتن بكاميرتين حرارتين، مرتبطتين بمركز قيادة متنقل، تساعدان على استطلاع موقع الحريق وتحديد نقاطه الخطرة لتوجيه فرق الإطفاء الميدانية”.
وقالت رجاء الطرابلسي، والية سوسة ورئيسة “اللّجنة الجهوية للتوقي من الكوارث ومجابهتها”، في تصريح إعلامي، إنّه “لم تسجّل خسائر بشرية بسبب الحريق الهائل الذي تمّ إخماده بفضل تضافر جهود وحدات الحماية المدنية في سوسة، وبتعزيزات من المحافظات الخمس المجاورة، وبفضل مساندة المؤسسة العسكرية بطائرة عمودية، فيما لم يتم إحصاء الخسائر المادية بعد”.
وأضافت الطرابلسي أنّه “تمّ فتح تحقيق للوقوف على أسباب نشوب الحريق ومتابعة هذه الحادثة الخطيرة”.
بين العاصمة.. والمظيلّة
في مستوى متصل بهذه الحرائق، شهد أحد مواقع شركة إنتاج الفوسفات بالمظيلة، من ولاية قفصة، في موعد الإفطار، الجمعة، حادثة احتراق قاطرة معدّة لنقل مقطورات الفوسفات من المغاسل نحو محطة القطار بقفصة، حيث تنبّه العمّال للحريق الذي خلّف أضراراً مادية، بحسب ما نقله شهود عيان.
وأعلنت وحدة الأبحاث والتفتيش بالحرس الوطني بالمنطقة، فتح تحقيق في الحادثة، للكشف عن أسباب الحريق.
وفي السياق ذاته، جاء حريق سوق الحفصية، في قلب العاصمة، على 30 محلاً معداً لبيع الملابس المستعملة ”الفريب”، قبل يوم واحد فقط من إصدار الإذن بفتحها، بعد إقفالها بسبب وباء “كورونا”.
وتمكّن أعوان الحماية المدنية، بعد أكثر من أربع ساعات من إخماد حريق سوق الحفصيّة.
وقال المتحدّث الرسمي للحماية المدنيّة، معز تريعة، في وقت سابق، إنّ الحريق أتى على قرابة 30 محلاً لبيع الملابس المستعملة، وأشار إلى أنّ وحدات الحماية المدنيّة، التي كانت معزّزة بوحدات من تونس وبن عروس ومنوبة وأريانة، تمّكنت من إخماده ومنع تسرّبه إلى المنازل المجاورة.
وبيّنت التحقيقات الأمنية، أنّ مجموعة من المنحرفين نظّموا ليلة الحادثة جلسة في السوق، استهلكوا خلالها مواد مخدّرة، واستولوا على أغراض من داخل أحد المحلات، وخوفاً من انكشاف أمرهم، أضرموا النار في المحل، ولكن فوجئوا بامتداد النيران بسرعة إلى باقي المحلات.
غير بعيد زمنيا، وقبل ذلك بيومين، نشب حريق هائل في إحدى بنايات شارع جون جوراس، في أحد طوابق حظيرة بناء في طور الأشغال، كائنة قبالة البنك المركزي بالعاصمة، وقد حضرت وحدات من الحماية المدنية إلى المكان، وتمكّن رجال الإطفاء من التدخّل والسيطرة عليه، فيما لم تعرف أسبابه بعد.
في ذات السياق، نشب يوم الخميس، حريق هائل في غابة دار شيشو بالهوارية. وامتدّ الحريق الذي وصف بــ “الهائل”، على حوالي 10 هكتارات من المساحة الغابية، ولم يتمكن عناصر الحماية المدنية، من إخماد النيران، بمعية فرق إدارة الغابات، إلا بعد عدّة ساعات مضنية.
أسباب مجهولة.. وتحقيقات مفتوحة
وما تزال الأسباب خلف هذه الحرائق، مجهولة إلى حدّ الآن، بما عمّق قلق التونسيين ومخاوفهم، فيما تكثفت تساؤلاتهم حول ما إذا كانت هذه الحوادث عرضيّة، أو هي من فئة الأعمال الإجرامية أو التهديدات الإرهابية.
ويرى مراقبون، أنّ هذه الحوادث التي يحرص البعض على تقديمها في صورة الأعمال العشوائية والمعزولة، التي اقترفها مجرمون أو قريبون من الإرهابيين، هي حوادث تقف خلفها لوبيات الفساد، التي ضربت في الصميم، من خلال إحالة عدد من كوادر الديوانة، على التقاعد الوجوبي، بسبب علاقتهم بلوبيات الفساد والمهربين، وهو الملف الذي رفعته منذ فترة هيئة مكافحة الفساد، وأخرجته الحكومة للعلن بلا مواربة.
ويرى آخرون، أنّ هذه الحرائق، تأتي تزامناً مع محاكمات النقابيين، على خلفية العنف الذي تعرض له النائب عن ائتلاف الكرامة، العفاس، ووجود بعض الأطراف التي تحرص على ممارسة نوع من الضغوط على الحكومة، لكي تطلق سراح النقابيين.
غير أنّ الدوائر الأمنية، ما تزال تبحث وتحقق في أسباب اندلاع هذه الحرائق المتكرّرة، والتي يمكن للعوامل الطبيعية أن تساهم فيها، خصوصاً بعد موجة ارتفاع الحرارة، إلى جانب طول فترة إغلاق بعض المحلات والمصانع، خلال فترة الحجر الصحي، بسبب فيروس كورونا، كما تبقى فرضيات الجريمة مفتوحة أمام المحقّقين.
وتشير الموادّ القانونية، إلى أنّه في حالة ثبوت تورّط جهات أو أشخاص بالحرائق الهائلة، فإنّه يمكن تطبيق فصول قانون مكافحة الإرهاب عليهم، والذي يصنّف الإضرار بالأمن الغذائي والبيئة، بما يخلّ بتوازن المنظومات الغذائية والبيئية، أو الموارد الطبيعية، أو يعرّض حياة السكّان أو صحّتهم للخطر، كجريمة إرهابية يعاقب عليها القانون، بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاماً، وبدفع غرامة مالية من خمسين ألف دينار، إلى مائة ألف دينار.
وينتظر التونسيون، بفارغ الصبر، صدور نتائج التحقيقات، لمعرفة ما إذا كانت هذه الحرائق، بفعل فاعل، ومن هو، أو من هم، ومن يقف خلفهم، بعيدا عن خطاب تمييع مثل هذه الأعمال، وهو الأسلوب الذي ألفه التونسيون، وهم حريصون على القطع معه مستقبلا، لكي يعرفوا ماذا يجري في بلادهم بدقة..