الملف الليبي: الدبلوماسية الباردة لرئاسة الجمهورية.. قيس سعيّد على خطى من سبقه
الرأي الجديد (وكالات)
“أمن تونس من أمن ليبيا”…
“نقف على مسافة واحدة من كل الأطراف”..
“الحل يجب أن يكون ليبيا”..
3 عبارات تلخص الموقف التونسي من الأزمة الليبية، والذي لم يتغير على مدار عمر الأزمة، رغم تعاقب الحكومات والرؤساء.
فمن المنصف المرزوقي (2011-2014) إلى الباجي قايد السبسي (2014 – 2019)، وأخيرا الرئيس الحالي قيس سعيد، لم تختلف تلك العبارات بمنطوقها أو فحواها، خلال محاولة أي منهم التعبير عن موقف بلاده من أزمة جارتها الشرقية.
وعلى خطى سابقيه، كان الرئيس قيس سعيد حريصا منذ اللحظة الأولى على توضيح ثبات الموقف التونسي الداعي إلى حل سياسي معبرا عن إرادة الشعب الليبي، بمنأى عن كل التدخلات الخارجية، مع اعترافه بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
وإبان توليه السلطة أواخر العام الماضي، أطلق قيس سعيد، مبادرة بهدف إيجاد حل سلمي للأزمة، والتحضير لمؤتمر ليبي ليبي ترعاه تونس ويكون خطوة نحو مصالحة شاملة في البلد الجار، مع احترام الشرعية الدولية والانتقال منها إلى الشرعية الليبية.
وآنذاك، جدد الرئيس التونسي وقوفه على مسافة واحدة من كل الأطراف، وحرصه على إيجاد حل للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية ولغة السلاح.
ومنذ 4 أفريل 2019، تشن مليشيا حفتر المدعومة من الإمارات وعدة دول أخرى، هجوما متعثرا للسيطرة على العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة.
الحياد سبيل النجاة
الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية التونسي السابق، أحمد ونيس، رأى أن “سياسة الحياد التي تتبعها تونس تجاه القضية الليبية هي سبيل النجاة ليس من أجل تونس فقط، بل من أجل الدولة الليبية المستقبلية، إذ يجب أن يكون الجيران محايدين”.
وقال أحمد ونيّس، أن “الحياد السلبي فرض عدم التدخل عسكريا، كما فرض الاكتفاء بالتدخل الإنساني وطرح المبادرات السياسية الرامية لإيجاد حلول، وهو أمر شرعي، أما عندما يصبح الحياد تغطية على تسريب أسلحة وتغليب شق عن شق فإن ذلك يعتبر غدرا، وتونس لا تقوم بالغدر”.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان، أن سياسة الرئيس قيس سعيد إزاء الملف الليبي بنيت على رفض التدخلات الخارجية في ليبيا ومحاولات تقسيمها والإصرار على أن يكون الحل ليبيا ليبيا، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف.
ولا يرى المحلل السياسي والرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، طارق الكحلاوي، اختلافا كبيرا بين موقف قيس سعيد من القضية الليبية وسياسة سلفه، السبسي.
فسياسة سعيد تقوم على مجموعة من النقاط الثابتة، وفق الكحلاوي، أولها الاعتراف بحكومة الوفاق كطرف شرعي معترف به دوليا، وهذا ليس شكليا بل كان واضحا حتى من خلال الاتصالات الرسمية التي لم يكن يجريها سوى مع هذا الطرف.
وأضاف الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، أنه على مستوى المقاربة والعلاقة بالأطراف الإقليمية المتورطة في الملف الليبي، فإن قيس سعيد عمد إلى التواصل مع مختلف الأطراف مع الحرص الشديد على عدم التخندق في شق معين.
وبحسب طارق الكحلاوي، فإنّ الحلول الملموسة لا يمكن تقديمها بمعزل عن طرفي النزاع، خاصة وأن صراعهما قوي وأن كليهما مصمم على حسم المسالة عسكريا وحتى مشاركتهما في مؤتمرات دولية لم تكن جدية ولم تفض إلى حلّ .
وأشار إلى أن الموقف التونسي من القضية الليبية لن يتغير إلا في حال تغير الوضع الميداني بشكل كامل وحسم أحد الطرفين المعركة، أما في الوضع الحالي فإنها ستبقى ثابتة عند مواقفها وحيادها.
تونس والجزائر .. مواقف شبه متطابقة
وعما إذا كان الموقفان التونسي والجزائري متطابقان في هذا الخصوص، اعتبر الكحلاوي أن هناك تطابقا بين الموقفين التونسي والجزائري في هذا الملف، وصل إلى درجة أن تونس سحبت مرشحها كمبعوث لدى الأمم المتحدة في ليبيا لمصلحة ترشيح شخصية جزائرية.
وتابع أن تونس بوصفها عضوا في مجلس الأمن الدولي، فإنها تحاول من موقعها خلق مقاربة صعبة لتمثيل كل الرؤى وهنا يمكن أن يحدث بعض سوء الفهم أو بعض الجدل.
وبين أن موقفي البلدين متطابقين في اعتبار أنّ الحل يجب أن يكون ليبيا ليبيا، كما أن البلدان يعتقدان أن المبادرات الدولية بما فيها مؤتمر برلين، الذي عقد في جانفي الماضي، لن تصل إلى حل وأن الحل الوحيد هو جلوس الليبيين على طاولة الحوار والخروج بحل.
وفي هذه النقطة، أوضح أحمد ونيس أن الجزائر “ضد ارتقاء خليفة حفتر كقائد عَسكري في النظام الليبي وهي معادية لقيام نظام عسكري في ليبيا، وبالتّالي فإنها تعلن عن حياد سياسي”.
وأضاف ونيّس، “بالنسبة لي فإن مفهوم الحياد هو عدم التدخل عسكريا، وإنما دبلوماسيا فيمكن أن نتدخل بكل قوتنا ولا يجب أن تكون هذه القوّة منفردة أي يجب أن تكون كل دول المغرب الكبير على نفس الموقف وأن تساهم في إيجاد حل لهذه القضية سياسيا ودبلوماسيا حتى يهتدي الأشقاء الليبيون إلى حل توافقي سياسي .”
أما الترجمان، فكان رأيه في هذا المقام، أن لتونس والجزائر مقاربة مشتركة في الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الليبية ورفض التدخل الخارجي وخاصة العسكري فيها وهذا ما يعزز من مناعة ومصداقية الموقف التونسي.
كما أن البلدين، وفق الترجمان، يعلمان جيدا أن تقسيم ليبيا سيؤدي فيما بعد إلى امتداد ذلك لدول الجوار وهو ما سيؤثر سلبا ويحدث خطرا عليهما.
الوحدة المغاربية.. وتشتيت ليبيا
وعن دور الوحدة المغاربية في الأزمة، ذهب الوزير التونسي السابق أحمد ونيس، إلى أن “تجميد مشروع المغرب الكبير أثر سلبا في القضية الليبية وكانت له عواقب سلبية في هذا الموضوع”.
ويضم المغرب الكبير كلا من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا، وأعلنت هذه الدول في 1989 عن اتحاد المغرب العربي بغاية تحقيق التكامل والتنسيق بينها في مختلف المجالات، إلا أن هذه الوحدة بقيت “شكلية” ولم تُفعّل.
وأوضح ونيس أن “تجميد مشروع المغرب الكبير أصبح خطرا استراتيجيا بسبب المد المشرقي في ليبيا، أي تدخل مصر عسكريا ومن ورائها دول خليجيّة لتغليب شق عن شق أي دعم حفتر الحليف العسكري لها والذّي في احتمال فوزه عسكريا فسيبقى مدينا للدولة المصرية”.
وأضاف أن “تفكيك 5 دول كانت تسعى لبعث قلعة اقتصادية وسياسية واستراتيجية وثقافية موحدة، يكون لها وزن في السياسة الإقليلمية والعالمية، كان له أثر كبير نلمسه اليوم من خلال فشل إيجاد حل ملموس للملف الليبي”.
في المقابل يرىالمحلل السياسي باسل الترجمان، أنّ مشروع إقامة المغرب الكبير هي عبارة عن أحلام ليس لها على أرض الواقع سوى التمنيات ولم تكن هناك خطوات حقيقة للاندماج وبناء الوحدة المغاربية.
بينما اعتبر طارق الكحلاوي، أن لغياب المغرب الكبير أيضا تكلفة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية وغيرها كما ان اختلاف أطراف محلية لديها ثقل هام يمهد لتدخلات أجنبية في قضاياها.
وبحسب الكحلاوي، فإنّ الحلول الملموسة لا يمكن تقديمها بمعزل عن طرفي النزاع، خاصة وأن صراعهما قوي وأن كليهما مصمم على حسم المسالة عسكريا وحتى مشاركتهما في مؤتمرات دولية لم تكن جدية ولم تفض إلى حلّ.
كما أشار إلى أن الموقف التونسي من القضية الليبية لن يتغير إلا في حال تغير الوضع الميداني بشكل كامل وحسم احد الطرفين المعركة، أما في الوضع الحالي فإنها ستبقى ثابتة عند مواقفها وحيادها.
المصدر: (وكالة الأناضول)