خالد شوكات يكتب لــ “الرأي الجديد” عن: حاجة البلاد إلى قيادة قويّة ما بعد الجائحة؟
بقلم / خالد شوكات
أشرت في مقال سابق إلى الدورة الجهنمية التي تجد فيها كل حكومة نفسها مباشرة بعد تولّيها مقاليد الحكم. دورة ألفتها الأطراف المشاركة في تشكيل المشهد السياسي وعادت لها دربة في التعامل معها. حكومات ائتلافية متعددة المكونات تحمل بؤر توتّرها وتناقضاتها في ذاتها، تبقي على بعض الأطراف خارجها بالضرورة، فتعمد هذه الأطراف كلّياً أو جزئيا إلى تصيّد الأخطاء وتضخيم التناقضات وتوتير الأجواء، وفيّ زمن اتصالي/شعبوي يفرض اللعب المفتوح، تكثر الزلات الاتصالية والقرارات الارتجالية، وتكثر معها الحملات الاحتجاجية خصوصا في الفضاءات الافتراضية.
وفي البرلمان تكثر العنتريات الكلامية والغزوات الخطابية وتتداخل المواقف المضطربة والمزايدات الأيديولوجية وتحرّكات الميليشيات الفايسبوكية، فتزيد من صب الزيت على النار. ولأن الحكومة متعددة الأطراف، عادة ما يكون التضامن بين أعضائها في اضعف حالاته، ويحاول كل وزير، خصوصا أولئك الذين يملكون طموحات سياسية، او يستندون الى دعم حزبي قوي، الى محاولة فرض مناهجهم الخاصة في العمل، فيطلقون بذلك معاركهم الخاصة، ويستقلّون بحروبهم الذاتية.
وعموما فان حكومة جاءت بلا برنامج حكم محدد، ولا وجود لمخطط متوسط او طويل المدى يشكل خطا تحريريا ناظما لعملها وسلوك أعضائها، عادة ما تتحول الى حكومة إطفاء حرائق وتصريف أعمال، والحرائق الطبيعية او المفتعلة عادة ما تكون في تزايد..
سينقطع نفس رئيس الحكومة وهو يلهث بمعية وزرائه وراء هذا الحريق أو ذاك، ولن يجد عونا من احزاب الائتلاف او بقية مؤسسات الحكم او المنظمات الوطنية. بقرة الحكومة سرعان ما ستتعب وتسقط جرّاء العدو في اتجاهات متناقضة ودون تركيز. ومع الوقت ستكثر سكاكين الاخوة والاعداء مغروسة في جسدها، فبروتس ونظراؤه موجودون دائما ومستعدون للمساهمة في الانقلاب والمؤامرة.
هناك اطراف رئيسية عادة ما تلعب أدوارا اساسية في تشكيل الحكومة ، من قبيل رئيس الجمهورية وحركة النهضة واتحاد الشغل، جميعها انخرطت في المعادلة بتحفظ، وعادة ما تحرص على ابقاء رجل في الحكم وأخرى في المعارضة، وهي منذ اللحظة الاولى بنصف قلب لا بقلب كامل مع الحكومة، ناهيك عن عقل لا يكف عن الحساب. خطوة الى الامام وخطوتان الى الوراء، تلك هي السيرة المأساوية. أما السياسات الحكومية المتبعة فغالبا ما تزيد من تأكيد معالم الدورة الجهنمية، فما البال عندما تزيد الكورونا من الاعباء، اختلال الميزان التجاري وتزايد نسبة التضخم وعجز الميزانية والتداين الخارجي.
الخبراء اليوم يتحدِثون عن انكماش اقتصادي متوقع ونسبة نمو سالبة لأول مرة منذ الاستقلال وخروج الى السوق المالية العالمية للتداين بفوائض عالية ونسبة بطالة قد تبلغ 25 بالمائة وتسريح مئات الآلاف مع العمال وافلاس مئات المؤسسات، وهو ما يعني مزيدا من الصعوبات والمشاكل العويصة التي ستواجهها هذه الحكومة المسكينة، وفيّ ظل تناحر النخب والقوى السياسية وعدم تناغم مؤسسات الحكم فيما بينها والتبرّم والغضب المكبوت الذي تشعر به الشرائح الاجتماعية العريضة الأكثر تضررا، فإن المشهد سيكون اكثر اضطرابا وارتباكا وعجزا. يا وَيْل هذه الحكومة من القادم القريب فيما يبدو.
تقنية التغيير الحكومي من اجل احداث رجة إيجابية لدى الشعب تعيد إليه بعض الامل، لن تكون مجدية هذه المرة. يعرف الناس جيّدًا مصير الدورة الجهنمية التي تنتظر اي حكومة جديدة. كما يعرفون ايضا ان اي حكومة جديدة وفقا لهذه السياق وفيّ ظل طبيعة النظام السياسي القائم لن تتكون الحكومة القوية المطلوبة. هذا النظام السياسي لا ينتج للاسف – او ربما هو غير قادر على ذلك- القيادة القوية المطلوبة للخروج بالبلاد من الدورة الجهنمية.
خلاصة القول، علينا الكفّ عن المكابرة والعناد. بلادنا تحتاج الى اطلاق حوار وطني للتوافق على خروج امن بالديمقراطية الى بر الامان، من خلال تعديلات دستورية تنقل البلاد الى نظام سياسي مسؤول ينتج قيادة قوية واضحة ذات تفويض شعبي للإصلاح والتغيير. لا خروج من الأزمة دون قيادة قوية ذات صلاحيات حقيقية ورؤية وبرنامج. ليس لنا رفاهية بعض الدول النفطية الشقيقة التي تبيع النفط للاستمرار في ديمقراطية برلمانية هشة ينخرها الفساد، او تبيع النفط للاستمرار في الحرب الأهلية. فإذا لم نبادر نحن من انفسنا الى تعويض جمهورية ديمقراطية بجمهورية ديمقراطية جديدة، فان اجهاض الديمقراطيات الهشّة ليست بدعة في التاريخ الحديث والمعاصر، وسنضع حينها مصير تجربة واعدة بين ايدي الفوضويين او الشعبويين او غيرهم ممن لا توجه عقولهم مبادئ الديمقراطية وقيمها. وقد اعذر من أنذر.