حاسوب خاشقجي… ومنشار بن سلمان
بقلم / بشير البكر
جاءت لائحة الاتهام التركي التي صدرت يوم الاثنين الماضي، بخصوص جريمة اغتيال الكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر 2018 داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، لتضع القضية في نصابها الصحيح، بوصفها جريمة سياسية تم تخطيطها وتنفيذها من أعلى المستويات السياسية في السعودية.
وأنفق القضاء التركي نحو عام ونصف العام للتحقيق بكل تفاصيل الجريمة. وتكشف لائحة الاتهام عن تحقيقٍ مهنيٍّ، تظهر فيه واضحة لغة الاختصاص. ولذلك جرى التركيز على طبيعة عمل خاشقجي وشخصيته ومواقفه. وقالت اللائحة إن الحاسوب الشخصي لخاشقجي يحتوي على مسودات لمقالات غير منشورة عن الذباب الإلكتروني والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة في السعودية. ومن البديهي أن يحتوي حاسوب خاشقجي مقالاتٍ تتناول أوضاع الدبمقراطية وحقوق الإنسان، فالرجل كان كاتبا، وتحول، في سنواته الأخيرة، إلى نقد السعودية، وخصوصا سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الذي لم يحتمل ذلك، على الرغم من النبرة الهادئة لكتابات خاشفجي. وأعاد الادعاء التركي بناء ملف خاشقجي، وكيف تطورت مسألة مطاردة السلطات السعودية له من واشنطن التي أقام فيها بعد تسلم بن سلمان منصب ولي العهد، وصار كاتبا منتظما في صفحات الرأي في “واشنطن بوست”. وكشف التحقيق عن معلومات جديدة تفيد بأن الصحافي المغدور سبق له أن تعرّض إلى ملاحقة، وتلقى تهديداتٍ من السفارة السعودية في واشنطن. وفي رواية أخرى، وصل الحال بالأجهزة السعودية إلى أن سرقت جواز سفر خاشقجي من منزله كي تجبره على مراجعة السفارة، وهناك تلقى مكالمة هاتفية من بن سلمان الذي طلب منه العودة إلى المملكة.
أحسنت السلطات التركية بنشر لائحة الاتهام، ونتائج التحقيق الذي قطع في طبيعة الجريمة، ليس بوصفها جريمة قتل وقعت على أرض تركيا فحسب، وبالتالي كان على القضاء التركي التحقيق فيها من أجل كشف خيوطها، بل لأنها جريمةٌ سياسيةٌ مع سبق الإصرار، تم القيام بها بأمر من بن سلمان. ويأتي نشر نتائج التحقيق التركي ليحمّل السعودية، رسميا، مسؤولية ارتكاب جريمة سياسية على أرض تركيا، وإخفاء معالمها، وعدم التعاون مع التحقيق التركي في كشف الملابسات، ومن ذلك إخفاء جثة الضحية. وتسجل تركيا بذلك حفظ حقّها في مقاضاة السعودية دوليا من جهة، ومن جهة ثانية التصرف كدولة قانون، أصرّت على إظهار الحقيقة، على الرغم من كل الضغوط التي تعرّضت إليها.
وعلى الرغم من أن أصداء الجريمة كانت مدوّية، وانعكست سلبا على سمعة السعودية، وصورة بن سلمان، فإن الأخير يستمر في اتباع سياسة مطاردة المعارضين في الخارج، وتهديدهم بالقتل. وهذا ما كشفت عنه منذ أيام الناشطة السعودية من لندن، علياء أبو تايه، لأنها غرّدت حول جريمة قتل المواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي الذي رفض إخلاء منزله لصالح مشروع نيوم. ويمتد أذى أجهزة بن سلمان ليطاول غير السعوديين، مثال الصحافية اللبنانية في قناة الجزيرة غادة عويس التي تواجه حملة تشهير وتجريح وشتم، بلغت ذروتها في هذه الأيام، بعد أن نشرت معلومات خاصة تتعلق بقضية خاشقجي، وكشفت في تغريدة أنها تعرّضت لاستفزازات وفبركة وترهيب، وجرت محاولات لاختراق هاتفها وحاسوبها من أجهزة بن سلمان.
حين تأتي ساعة الحقيقة، سوف يكون حاسوب جمال خاشقجي في مرافعة ضد منشار بن سلمان. هذه هي المعادلة التي توصل إليها التحقيق التركي. كاتب سلاحه الكلمة والرأي في مواجهة حاكم يمتلك كل الإمكانات، ولكنه قرّر أن يتصرف كجزار، ويرد على الكلمة بالمنشار. وهنا يحضرني مقطع من قصيدة الأرض للشاعر محمود درويش يقول فيه:
وقد فتّشوا صدره فلم يجدوا غير قلبه/ وقد فتّشوا قلبه فلم يجدوا غير شعبه…/ وقد فتّشوا سجنه فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود.
المصدر: موقع “العربي الجديد”