ماذا بين قيس سعيّد وراشد الغنوشي ؟؟
بقلم / صالح عطية
لا يبدو أن بلاغ رئاسة الجمهورية الصادر منذ نحو ساعة، قد تم تدارسه بشكل جيّد من قبل دوائر القصر الرئاسي.. فمضمون البلاغ، يشير إلى أنّ رئيس الجمهورية، ومن نصحه بهذا الأمر، لم يراع الوضع الذي تعيشه البلاد حاليا، ولا المخاطر المحدقة بشعبنا، الذي يتهدده فيروس “كورونا”، كما يتهدد الدولة التونسية في اقتصادها وموازنتها ووضعها الاجتماعي..
ففي الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون، موقفا موحدا من الرئاسات الثلاث، ومن مؤسسات الدولة، وتضامنا واضحا، ينعكس على وعي المواطنين، وطريقة تعاطيهم مع الأزمة، طلعت علينا رئاسة الجمهورية ببلاغ يشير إلى “ضرورة احترام كل سلطة لاختصاصاتها، دون تداخل أو تضارب أو مضاربات سياسية”، وهي عبارة، تؤكد أنّ رئاسة الجمهورية، تنظر لتحركات المسؤولين في الدولة، من منظور، الاختصاصات والصلاحيات، وليس من منظور التضامن الحكومي، وتفعيل التحركات الحكومية والبرلمانية والمدنية، لحشد الناس ضدّ هذا الفيروس، الذي بات قاتلا في بعض البلدان.
وربما كان يمكن للمرء أن يتفهم حرص الرئاسة، على “التخصص” بين مؤسسات الدولة، غير أنّ بلاغ رئاسة الجمهورية، تجاوز الأمر إلى استخدام عبارة “مضاربات سياسية”، في إشارة إلى محاولة استغلال موقع في الدولة للمضاربة السياسية.
ولا شكّ أنّ هذه العبارة، تعني مباشرة رئيس مجلس نواب الشعب، راشد الغنوشي، الذي تحرك برلمانيا اليوم، عبر اجتماع الكتل البرلمانية، ودعوته ــ في تصريح صحفي ــ الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة وجيّدة، من بينها غلق الحدود البرية والبحرية والجوية بشكل كلي، ودعم صندوق وزارة الصحة لمقاومة انتشار الفيروس، واتخاذ خطوات أكثر جرأة وشجاعة لمنع التجمعات، بأي شكل من الأشكال..
ويبدو أنّ تحركات رئيس البرلمان، أزعجت رئاسة الجمهورية، سيما وأنها استبقت تحركات السيد قيس سعيّد، وحاولت أن تدفع الحكومة باتجاه إجراءات جديدة، أكثر صرامة وجودة وشجاعة.
وبدلا من التأسيس على هذه الدعوات البرلمانية، والبناء عليها، رأت رئاسة الجمهورية، أنّ في الأمر تجاوز لسلطة رئيس البرلمان واختصاصه.
والسؤال المطروح في هذا السياق، هو: من يحدد صلاحيات الرئاسات الثلاثة، في غياب المحكمة الدستورية؟ وهل سيظل رئيس الجمهورية، هو المحدد الوحيد لمقتضيات الدستور، وقد أظهر في مرات عديدة، أنّه جزء من التجاذب السياسي، بما يجعل دوره كحام للدستور، غير دقيق وغير واضح، وأنه سينظر للأمر من منظور صلاحيات رئيس الجمهورية، وتوسيع سلطته في قرطاج ؟
مرة أخرى، تنكشف العلاقة المتوترة بين رئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، بل بين الرئيسين، قيس سعيّد وراشد الغنوشي، وسط صراع خفي على السلطات والصلاحيات، في نظام شبه برلماني، يراه الغنوشي، يميل أكثر للبرلمان، صاحب السلطة العليا والحقيقية في البلاد، وقيس سعيّد، الذي يحرص على أن تستأنف رئاسة الجمهورية، سلطتها العليا والطاغية، وهو ما لا يراه المراقبون والسياسيون، رغم اختلاف تقديراتهم.
ثمة خلاف، بل صراع بين الرجلين، لا مشاحة في ذلك، لكن كان يفترض أن يتم تأجيل هذا الأمر، ولو بصورة مؤقتة، في ظل الظروف والوضعية الحساسة والدراماتيكية التي تمر بها البلاد والمجتمع ككل.
من المؤكد، أنّ رئاسة الجمهورية (وربما بعض الدوائر داخلها)، ما تزال غير مستوعبة سياسيا لتوزيع السلطة، وللعلاقة بين الرئاسات الثلاث، ولم تحاول أن تتأقلم مع الوضع السياسي المستجدّ في البلاد منذ نحو 6 سنوات على الأقلّ، الذي بات فيه للرئاسات (البرلمان والحكومة والرئاسة) أدوارا ومسؤوليات، ربما يراها السيد قيس سعيّد، مساس بسلطته، ويراها الغنوشي، جزء لا يتجزأ من سلطة البرلمان ورئيسه.
لقد بات من المؤكد اليوم، أن يكون ثمة وسيطا بين الطرفين، لإنهاء هذا الصراع، الذي يفتعله البعض من وهناك، لاستثماره، ضدّ مصلحة الدولة، ومؤسساتها الدستورية البارزة، وخلق صراع أقرب “للصراعات الوهمية” منها للصراع السياسي المثمر في البلاد..
من مصلحة تونس اليوم، إنهاء هذا الصراع، بشكل تستفيد البلاد والدولة من الرجلين والمؤسستين، بعيدا عن منطق “حرب المؤسسات”، الذي عانت منه الدولة اللبنانية، وكلفها إلى الآن، تطورات، لم تزد إلا إضعافها وتفتتها، وسمح للتدخلات الخارجية بأن تدخل على خطّ “السيادة الوطنية”.
فهل يهضم الطرفان، وبخاصة من يحركون هذا الصراع في قرطاج أو غيره، هذا المطلب الملحّ راهنا ؟؟