“الرأي الجديد” يتقصى الوضع.. لماذا لم تتمكن شركات الأدوية من إنتاج لقاح ضدّ “كورونا” ؟
تونس ــ الرأي الجديد / قسم التحرير
يواجه تطوير اللقاح المضادّ لفيروس “كورونا”، تحديات عديدة، على الرغم من التطورات التكنولوجية الرائدة، وتعدد المساعي الدولية.
ووفق تقرير أعده موقع “الرأي الجديد”، من خلال رصد أبرز التقارير الدولية بهذا الشأن، يمكن تلخيص أهم هذه العوائق والقيود، في النقاط التالية:
1- قيود مالية: لا يمكن المضيّ قدمًا في لقاحٍ فعليٍ، دون إجراء اختباراتٍ سريريةٍ مكثفة، الأمر الذي يتطلب تصنيع اللقاحات ومراقبة النتائج بدقة. وقد يكلف ذلك، مئات الملايين من الدولارات. وهي أموالٌ لا تملكها المعاهد الوطنية للصحة أو الشركات الناشئة أو الجامعات بطبيعة الحال. كما أنها لا تملك مرافق الإنتاج والتكنولوجيا لتصنيع اللقاح وتوزيعه على نطاقٍ واسع.
ويخضع إنتاج اللقاحات عادة، باستثمار حفنةٍ من شركات الأدوية العالمية العملاقة، على غرار، فايزر، وسانوفي، وجونسون آند جونسون، وميرك آند كو)، وهي الشركات التي قد يتبادر إلى الذهن تهافتها على إنتاج لقاحٍ لفيروس “كورونا”، بفعل ارتفاع الأرباح المرجوة منه لتصل إلى ملايين الدولارات.
غير أنّ هذا التهافت، سيسبب لشركات الأدوية الكثير من النفقات الضخمة، لأن المنتج الجديد قد يعني خسائر فادحةً، خاصةً إذا تلاشى الطلب عليه، إذ يعدّ من بين اللقاحات الخصوصية، أي المرتبط بمدة زمنية محددة.
ولذا، اقترح بعض الخبراء إنشاء “صندوقٍ عالميٍ لتطوير اللقاحات”، لتمويل الأبحاث ذات الصلة بالإيبولا و”كورونا”، في غير أوقات انتشار أيّ منهما.
2- اختبارات متعددة: وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكي (CDC)، يمر تطوير اللقاح بعددٍ من المراحل، يأتي في مقدمتها فهم خصائص الفيروس وسلوكه في المضيف (وهو الأمر المتعذر على صعيد فيروس “كورونا” لصعوبة معرفة نمط انتشاره بين الحالات والدول)، ثم اختبارها على الحيوانات، ثم يتم إجراؤها على البشر لاختبار الاستجابات المناعية في أعدادٍ صغيرةٍ من المتطوعين غير المعرضين لخطر المرض. فإذا وجد أن اللقاح آمن وفعال، فلا بد من اجتياز الموافقات التنظيمية اللازمة. ويلزم أيضًا توفير طريقةٍ فعالةٍ لتصنيعه قبل أن يصبح جاهزًا للتسليم. وبشكلٍ عام، يتطلب تطوير لقاحاتٍ جديدةٍ أمدًا طويلًا يتراوح بين عامٍ واحدٍ وأعوامٍ عدة. وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، قد تمر مدة طويلة قبل أن يتاح لقاح لفيروس “كورونا”.
3- حسابات الربح والخسارة: يُفضل عددٌ من شركات الأدوية استثمار مواردها في عقاقير مربحةٍ اقتصاديًّا، مثل مسكنات الألم. وقد عزف بعضها عن البحث عن لقاحٍ لعلاج فيروس “كورونا” لجملةٍ من الأسباب، يأتي في مقدمتها احتمال رفع حالة الطوارئ قبل تطوير اللقاح، فإذا تلاشت حالة الضرورة الملحة، قد يتوقف العمل عليه وتتراجع جدواه الاقتصادية.
4- احتمالات تطور الفيروس: تتزايد احتمالات تحور فيروس “كورونا” قبل اكتشاف علاجٍ له، وقد تختلف طفرة الفيروس من مكانٍ إلى آخر، وقد أشارت دراسة أعدها عدد من الباحثين الصينيين إلى أن الفيروس تطور إلى سلالتين إحداهما أكثر شراسة.
في المقابل، يشكك بعض الخبراء في هذه الدراسة، نظرًا لإجرائها على نطاق محدود، بالإضافة إلى عدم وجود أدلة لدى منظمة الصحة العالمية على هذا التطور.
5- ضعف الطاقات الإنتاجية: لا تتوافر الطاقات الإنتاجية لنقل اللقاح وتوزيعه حتى مع التسليم جدًلا بإمكانية الإسراع بعملية تطويره؛ ذلك أن الأمر يتطلب الشراكة بين شركات التكنولوجيا الحيوية والوكالات الحكومية والجامعات، بهدف إنتاج كميةٍ كبيرةٍ منه. فلا يمكن لمؤسسةٍ بعينها -مهما كانت قدراتها- تطوير اللقاح بمفردها. فلا شك أن اللقاح الجديد سيتطلب إنتاج ملايين بل مليارات الجرعات في السنوات القادمة.
7- احتمال حدوث آثارٍ جانبيةٍ: وهو أحد الأسباب الرئيسة التي تحول دون حصول اللقاحات – في كثيرٍ من الأحيان – على الموافقة التنظيمية لسنواتٍ عدة، فللتصدي لوباء أنفلونزا الخنازير في عام 2009، أُعطي ستة ملايين شخص لقاح (Pandemrix). وهو اللقاح الذي سُحب لاحقًا بعد اكتشاف أثره السلبي في تخدير بعض الأشخاص.
وجدير بالذكر أن تطوير اللقاحات صناعة ذات مخاطر متزايدة. ففي الثمانينيات، عندما بدأت شركات الأدوية في تحمل التكاليف القانونية للأضرار التي تسببها اللقاحات، اختار كثير منها ترك تلك الصناعة ببساطة، والعمل في صناعة المستحضرات الصيدلانية.
وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتقدم العلمي، وكثافة الاستثمارات العالمية في التكنولوجيا الطبية، لا يزال هناك العديد من القيود التي تبطئ ظهور لقاح مناسب، مع تزايد تخوف الشركات الكبرى العاملة في المنتجات الطبية، من الإنفاق على إنتاج لقاح لمواجهة “كورونا”، يظهر بعد تراجع الفيروس عالميًّا، ومن ثم تَعَرُّضُهم لخسائر كبرى.