حرب الاستنزاف الاستراتيجي بقلم رياض الشعيبي (فيسبوك)
تونس ــ الرأي الجديد
التقيت مرة على هامش مؤتمر في لبنان مع الأستاذ منير شفيق؛ وككل مرة ألتقيه لا يخلو حديثنا من حوار حول قضايا الأمة الأساسية. حينها كانت الحرب الأهلية في سوريا في بدايتها، وكان الجميع يصفها بالثورة الا منير شفيق، لم ير فيها غير محاولة لاختراق جبهة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني. قال لي يومها ان ما يحصل اليوم في سوريا مختلف عما حصل عندكم في المغرب العربي، فالرهانات الجيو_سياسية مختلفة، وتفجير الاوضاع في سوريا لا يمكن لتداعياته ان تتوقف عند تغيير نظام سياسي؛ وانما تغيير توازنات استراتيجية واقليمية.
أعود لهذا الكلام اليوم وأنا ارصد مسار تطور المشهد السوري: من الحراك الشعبي السلمي والتلقائي، الى الحرب الأهلية المسلحة والمدعومة خارجيا والملوثة بالارهاب الداعشي، ثم وصولا الى الحرب الاقليمية والتدخل الدولي المباشر؛ طبعا وما أفرزه هذا المسار من انقسام مجتمعي حاد وأزمة انسانية كبيرة.
كل هذا المسار يحلو للبعض بتسميته بالثورة، في حين يعتبره اخرون مؤامرة صهيو_أمريكية على جبهة المقاومة. لكن بالنتيجة الواقع واحد، فالثورة الفاشلة لا يمكنها الا أن تستنزف مقدرات الشعوب والاوطان، فيصبح استمرارها جريمة لا تختلف في شيء عن جريمة الخيانة والتآمر مع العدو الخارجي.
لقد انتهت القيمة الأخلاقية للأطراف المتقاتلة في سوريا نظاما ومعارضة.
فقوى الثورة السورية تحولت الى وكيل عن قوى اقليمية ودولية لاعادة صياغة الأدوار الاستراتيجية في المنطقة. والنظام السوري فتح الباب لتدخل خارجي استباح السيادة الوطنية للبلد وأوغل في ذبح شعبه.
ما يعني بالنهاية وصول الأضاع لحالة من التعقيد، يصبح معها استمرار الحرب الاهلية استنزافا استراتيجيا لمقدرات الشعب السوري وتفريطا في جبهة استراتيجية في صراعنا مع الكيان الغاصب.
اليوم يتصاعد الصراع الاقليمي في سوريا، وخاصة بين الحلفاء خارجها، الأعداء داخلها؛ من جهة روسيا وايران ومن الجهة المقابلة تركيا في تقاطع متذبذب مع الأمريكان.
فمن منظور اقليمي لا مصالح قومية تبرر هذا التناقض بين التدخل الايراني والتركي في سوريا. فالنزعات الوطنية التي تضمخ بها كلا الدولتين توجهاتهما هي نفسها، والموقف من الوضع الكردي هو نفسه، وحتى تمثلهما للخطر الاسرائيلي يكاد يكون نفسه. ما يعني أن النظام السوري من جهة المحافظة على مصالح الدولتين، هو على نفس المسافة منهما.
من منظور دولي، أعتقد أيضا ان انتهاء الحرب الاهلية في سوريا مصلحة مشتركة بين الروس الذين يريدون دعم وجودهم بشيء من الاستقرار، والامريكان الذين يبحثون عن انسحاب مع ضمانات بمحاصرة الارهاب الداعشي.
المستفيد الوحيد من استمرار بؤرة الاستنزاف في سوريا هي اسرائيل.
فهل تتحول المبادرة الايرانية في اتجاه تركيا مدخلا لانهاء هذه الحرب بشكل نهائي ؟
* رياض الشعيبي / باحث في الشؤون السياسية