الغنوشي “في ثوب جديد”… تصريحات حاسمة.. فهل تنبئ بمعادلة سياسية جديدة ؟؟
بقلم / صالح عطية
التصريح الذي أدلى به رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي اليوم، يمكن اعتباره من بين التصريحات الأكثر أهمية لــ “الشيخ” منذ ثلاث سنوات على الأقلّ..
في هذا التصريح، بدا الغنوشي، صريحا وحاسما وشديد الوضوح، على عكس تصريحاته التي كان فيها الكثير من التحفظ، فيما كان يختار الصمت في أحيان أخرى…
بوصلة رئيس حركة النهضة، اتجهت نحو حلقتين مهمتين في الحكم، هما: رئيس الحكومة المكلف، ورئاسة الجمهورية..
الفخفاخ: الحاضر / الماضي
بالنسبة لإلياس الفخفاخ، شدد الغنوشي على “رفض حركته الإقصاء”، فالبلاد “تمر بمرحلة انتقالية تقتضي حكومة ذات قاعدة واسعة، وإلى حشد كل القوى الوطنية”، مضيفا بأنّ “الاستحقاقات الدستورية والملفات الحارقة ــ في إشارة إلى المؤسسات الدستورية المطروحة على البرلمان ــ تحتاج إلى أغلبية واسعة بنحو 145 نائبا”، قبل أن يضيف: “دون وجود قلب تونس من غير الممكن” التوصل إلى هذه الأغلبية، حسب تقديره..
وبلغة ليس فيها مواربة أو غموض، أكد الغنوشي أنّه “في حال إقصاء قلب تونس من تشكيلة الحكومة، لن تكون للفخفاخ أغلبية لتمرير حكومته”، بل “لن تنال ثقة البرلمان”..وهو أول تصريح من أعلى مستوى في حركة النهضة، بهذا الحسم الواضح..
ليس هذا فحسب، بل إنّ رئيس الحركة، انتقد بشكل واضح، رئيس الحكومة المكلف، عندما أعلن أنّ حزب “قلب تونس”، يمكن أن يكون في المعارضة، وقال الغنوشي في هذا السياق: “كان من المفروض ألا يحدد رئيس الحكومة المكلف، من يكون في المعارضة، وإنما يطرح برنامجا، يجتمع حوله الجميع، ولا يكون هناك إقصاء إلا لمن أقصى نفسه”، وهذه إشارات تتعلق بمنهجية إدارة الشأن التفاوضي، التي يعتبرها رئيس حركة النهضة، عملية مغلوطة من قبل الفخفاخ..
وشدد الغنوشي على أنّ “النهضة ليست متمسكة بتشريك حزب نبيل القروي، بقدر تمسكها بتشريك الجميع، رفضا لمبدأ الإقصاء”، لافتا إلى أنّ حزبه “دفع باتجاه قانون المصالحة”، و”أسقط قانون تحصين الثورة”، وبالتالي لا يمكنه الموافقة على “استثناء أحزاب، ولن نقصي إلا من أقصى نفسه”..
ولم يكتف “الشيخ” بهذه المخرجات الجديدة، وبهذا الأسلوب الحاسم، بل إنّه فتح النار على إلياس الفخفاخ بشكل واضح، من خلال الإشارة إلى أنّه “لم يكن الاختيار الأفضل مقارنة على الأقل بالأسماء التي اختارتها حركته”، وهذه إشارة لا مشاحة فيها، بأنّ حركة النهضة، “رفعت أيديها عن الفخفاخ”، وهي باتت تعتبره من “الحاضر / الماضي”، أو على الأقلّ عليه أن يفهم بأنّ رئاسة الحكومة، ليست صكا على بياض، وأنّه مرتهن لقوى برلمانية فاعلة، وليس “وزيرا أول”، كما وصفته بعض المقالات والتدوينات من هنا وهناك..
العلاقة مع قيس سعيّد
ولم يكتف رئيس حركة النهضة، بنقد “مستوى” و”منهجية” إلياس الفخفاخ على رأس حكومة التكليف، إنما اتجهت ملاحظاته النقدية إلى رئيس الجمهورية، قيس سعيّد،
الذي قال إنّه “أخطأ في اختيار إلياس الفخفاخ”، وهي عبارة قوية، وخالية من كل دبلوماسية أو تحفظ، ما يعني، أنّ التيار لا يمر بين الرجلين، أو أنّ مقاربة رأسي السلطة التنفيذية والتشريعية، باتت متنافرة، وليست متناغمة، وسط تسريبات بوجود تناقضات تشقّ الطرفين منذ فترة، سواء فيما يتعلق بترتيبات الوضع السياسي (تشكيل الحكومة)، أو في علاقة بالسياسة الخارجية للدولة.
ولعل هذا ما يفسّر إشارات رئيس حركة النهضة، ورئيس مجلس نواب الشعب، عندما تحدّث عن خطإ رئيس الجمهورية “بعدم حضوره ومشاركته في (منتدى دافوس) الاقتصادي، و(مؤتمر برلين)، و(أوروماد) وغيرها”، وفق تقديره.
وهنا يبدو أنّ السيد الغنوشي، دخل في “استراتيجية” رئيس الجمهورية وأدائه، وحرص على أن يضعه “في الزاوية”، ونزع تلك “الاستقالة” التي يحرص عليها السيد قيس سعيّد إزاء الوضع السياسي، من خلال الحرص على “حشره” في الوضع العام، وتحميله مسؤوليته السياسية والدستورية في هذا السياق..
غير أنّ تساؤلات كثيرة تطرح في هذا الإطار بعد هذه التصريحات التي أثارت أكثر من طرف في المشهد السياسي..
ما علاقة هذه التصريحات بلقاء رئيس حركة النهضة أمس برئيس الجمهورية، وهل كان ثمة “منغّصات” حصلت في لقاء الرجلين أدّت إلى هذا التقييم النهضوي؟
ولماذا شنّ الغنوشي هذا الهجوم على المكلف بتشكيل الحكومة، إلياس الفخفاخ في هذا التوقيت بالذات ؟ هل لهذا الأمر علاقة بما يروّج من معلومات موثوقة، عن “تعنّت الفخفاخ” وتعامله “بكثير من التعالي مع الأحزاب”، وفق بعض الشخصيات الحزبية التي حضرت جلسات تفاوض معه، فضلا عن محاولته وضع الجميع أمام “أمر واقع جديد”، بإيعاز من بعض الأطراف في رئاسة الجمهورية، وبتدبير مما يسمى “فريق التفاوض” المرافق للفخفاخ، الذي يدفع ــ على ما يبدو ــ باتجاه تحجيم حركة النهضة، وتصعيد بعض الأحزاب الأخرى ضمن ما يعرف بــ “خلطة الحكومة الثورية”، وهو ما تعتبره حركة النهضة، وعدّة أحزاب أخرى وكتل برلمانية أخرى، قفز على معطيات الواقع السياسي وحيثياته ومكوناته؟؟
هل يعني هذا التصريح، أنّ “حركة النهضة”، حسمت أمرها نهائيا في الفخفاخ، وبالتالي سيكون استخدام الفصل 97 من الدستور، هو الخطوة المتوقعة خلال الفترة المقبلة، مثلما قال حسونة الناصفي، رئيس “كتلة الإصلاح الوطني” أمس، من خلال إشارته إلى أنّ “الذهاب إلى الفصل 97، أمر وارد” ؟؟
ويرى عدد من المحللين والمراقبين، أنّ إلياس الفخفاخ، بدا في المؤتمرين الصحفيين الذين عقدهما خلال الأسبوعين الماضيين، مستفزّا ومناكفا لبعض العائلات السياسية، من خلال إشارته إلى أنّ لديه “الشرعية الرئاسية”، فيما هو حصد صفر فاصل في الرئاسية والتشريعية، وأنّه سيتعامل بنفس المسافة مع جميع الأحزاب، الأمر الذي اعتبره البعض، قفزا على مخرجات الانتخابات التشريعية، ومحاولة “لتسوية اللامسوى”..
فضلا عن ذلك، بدا إلياس الفخفاخ، وكأنه صاحب مشروع للحكم، من خلال استخدامه “الأنا”، أظهر عبرها، الكثير من “النرجسية” المبالغ فيها، فيما الرجل لا يستند إلى شرعية انتخابية، أو حتى تجربة على رأس الحكومة، بينما ترك تقلّده حقيبة المالية، الكثير من المشكلات التي يصفها خصومه بــ “المصائب” على المالية التونسية (صندوق النقد الدولي ــ الأتاوات ــ وضعية البنوك وغيرها..)..
حالة سياسية جديدة ؟؟
نحن إذن، أمام حالة سياسية جديدة، تفترض تحالفات مغايرة، وسيناريو جديد للتشكيل الحكومي القادم، وأرضية سياسية لهذه الحكومة، بعيدا عن بعض “العبث السياسي” الذي نتابعه في بعض التصريحات المراهقة سياسيا، من أحزاب و”زعامات” حزبية مختلفة، تحوّلت من دون أن تدرك ذلك، إلى جزء من عملية شيطنة الوضع السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس.
لا شكّ أنّ تصريحات الغنوشي، تطرح كذلك جملة من الملاحظات، لعلّ أهمها، نبرة الرجل، التي تشير إلى حالة نفسية، سئمت ــ ربما ــ هذا النفاق السياسي لبعض رموز المشهد الحزبي، الذين يقولون شيئا في الكواليس، ويصرحون بنقيضه في البلاتوهات التلفزية..
وبدا رئيس حركة النهضة في هذه التصريحات، لا يلوي على شيء سوى تغيير المعادلة السياسية، باعتماد “قلب تونس” ضمن المسار الحكومي القادم، واستعادة المبادرة السياسية من رئاسة الجمهورية، وصياغة التحالفات الجديدة في المشهد، التي قد يكون عمودها الفقري، “قلب تونس” و”تحيا تونس” و”ائتلاف الكرامة” وكتلة “الإصلاح الوطني”، وبعض المستقلين، بل حتى بعض نواب “الكتلة الديمقراطية”، الذين بدأ بعضهم غير منسجم تماما مع أطروحات بعض قيادات الكتلة في البرلمان وخارجه..
من المؤكد، أنّ الغنوشي لم يصرح بما صرح، إلا بعد أن “هندس” خيوط المرحلة المقبلة، وضمن للحكومة المرتقبة، الحزام السياسي والبرلماني الكفيل بتمرير القوانين الأساسية والمؤسسات الدستورية، دون توفر “الجزء المعطّل” في البرلمان..
فهل ينجح “الشيخ” في ذلك، أم أنّ “خطّ الرئاسة”، ومن هم في ركبها، قادرون على “قلب الطاولة” على رئيس حركة
النهضة ؟!!