“النهضة” و”قلب تونس”.. / بقلم عدنان منصر (فيسبوك)
تونس ــ الرأي الجديد
رغبة النهضة الأكيدة في مشاركة قلب تونس في الحكومة ينبغي فهمها بالسياق الذي تأتي فيه، وبالتوجه الذي اتخذه الغنوشي منذ جوان 2013. بالنسبة إليه، ترك قلب تونس خارج الحكومة يعني تقاربا قد يصبح خطيرا في المستقبل، بين القروي وعبير. خطيرا على من ؟ خطيرا على النهضة! في سعيها لحماية نفسها من توسع الجبهة الإستئصالية، تقوم النهضة في الكواليس بالتهديد بعدم منح الثقة للحكومة، ما يعني أنها مستعدة لتكون في المعارضة، أو لحل البرلمان والتوجه لانتخابات جديدة. قليل من الفهم فقط يجعلنا نعرف أن هذا لن يحصل، وأن النهضة لن تكون في المعارضة ولن تدفع لحل البرلمان.
من جهة أخرى، فإن اتفاقا حصل فيما يبدو بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على طبيعة القوى التي ستتشكل منها الحكومة، وقلب تونس لا يبدو أنه في هذه القائمة، لكن النهضة من ضمنها. ما يعني أن النهضة مخيرة بين أن تكون في الحكم أو في المعارضة، وأن عليها اتخاذ القرار بمعزل عن حليفها قلب تونس.
مالذي يجعل قيس سعيد وإلياس الفخفاخ يتفقان على عدم ضم قلب تونس للحكومة؟ لأنهما يعتبران ببساطة أن دخوله الحكومة يعني أنها لن تكون الحكومة المأمولة، والمطلوب منها مكافحة الفساد والتوجه للإنجاز. القبول باشتراطات النهضة هنا يعني الخطوة الأولى لتحول مشروع الحكومة الوطنية إلى مشروع حكومة محاصصات وتسويات وتغطية على الفساد. في الخلاصة: هناك تناقض واضح بين رؤيتين وتوجهين. الرضوخ لاشتراط النهضة بتشريك قلب تونس يعني تحويل حكومة الفخفاخ إلى حكومة “جِمْلية”، وهذا غير وارد إطلاقا. التمسك بتوجه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف يعني، بوضوح، ترسيخا لتغيير في موازين القوى بين قرطاج والقصبة وباردو.
عندما أصرت النهضة على تكليف الجملي، وعندما أصرت على أن يكون العمود الفقري للحكومة بينها وبين قلب تونس، كان الهدف بعيد المدى هو تكوين حكومة ترضيات ومحاصصات وتسوية ملفات، بما يعني مواصلة التوافق القديم وترسيخ مسار وراثة النهضة للمنظومة القديمة. كان ذلك يعني أيضا تحالفا بين باردو والقصبة يكون هدفه محاصرة قرطاج وترك الرئيس معزولا وغير قادر على الوفاء بوعد واحد قدمه للناس، وانتظار نهاية “الكابوس” بتقزيمه واستنزاف شعبيته قبل 2024. هذه كانت الخطة. الآن تغيرت الأمور بالكامل: على باردو أن تقبل أنها انهزمت أمام قرطاج، في معركة القصبة. على الغنوشي أن يفهم أن الخوف من تكتل الاستئصاليين ليس أكثر أولوية من الخوف من تكتل الفاسدين. عليه أن يفهم أن القضاء على الاستئصال لا يكون بمواصلة اللعب على الحبال بين الثورة وأعدائها، وإنما بوضع كل بيضه، هذه المرة، في صف تغيير حقيقي وعميق وعادل ونزيه. الثورة، ونجاحها في مواجهة الإشكالات الإقتصادية والإجتماعية، هو ما سيحمي البلاد من خطر الفساد والإستئصال، وليس مناورات الغرف المظلمة والأزقة المتسخة.