14 جانفي : قطف تفاحة الثورة..
بقلم : صالح عطية
(1)
ماذا جرى ليلة 14 ؟
التونسيون… يسألون،
الساسة… يستفهمون،
النخب… تبحث عن حلقة الوصل..
وحده العسكر… يعرف،
وحده السرياطي… يدرك،
وحده الطرهوني… يشهد..
قيل الجنرال… انقلب،
وقيل الأمنيون… تنكروا،
جرى الحديث عن أدوار وألعاب،
وسيناريوهات… وتدخلات،
ومعركة ستالينغراد في القصر،
أطلقت رصاصات… غير طائشة،
أزهقت أرواح… بهويات معلومة،
سقطت حسابات… بلا حساب،
توزعت أدوار قديمة… لأغراض جديدة،
وتمترست سياسات “ثورية”،
بلا طعم… ولا رائحة… أو مذاق،
صعد المرتعشون… والدجّالون،
وبائعو الهوى الأعجميّ،
ومحترفو الوهم الجديد..
فيما الشهداء، يستقبلون الذكرى،
بابتسامات أنيقة…
ففي وطن الثورة ما يضحك،
الأموات قبل الأحياء..
**************
(2)
الشطارة في السياسة،
أن تهرب قبل انهيار البناء،
وعندما تتاح لك الفرصة،
تحرص على النجاة قبل حدوث الزلزال..
وبن علي… هرب بعد انهيار البنيان،
الماسك بخيوط العنكبوت..
خطب في المرة الأولى،
فرفع وتيرة الاحتقان،
قال “غلطوني” !
فاختفت “الأقمار” السبعة،
وانبجس هلال تونسي في نكهة العسل،
قامت القيامة، فصيّرت العسل،
سكّرا في مرارة العلقم..
اختفى الفاعل في جملة إسمية ركيكة،
فضلّت قواعد النحو طريقها،
باتت الأفعال… أسماء،
والمفاعيل… مصادر،
كثرت النعوت والأوصاف،
وحروف الجرّ… وأدوات “النصب”،
ليتيه ما تبقى من ثورة، وثوّار، وأمل..
**************
(3)
14 جانفي… ليلة النهاية،
ليلة ميلاد جـــــــديــــــد،
14 جانفي، عودة الروح للروح الذابلة،
14 جانفي، زواج الثورة والنخبة والحرية،
14 جانفي، طلاق بالثلاث مع ديماغوجيا الأرقام،
14 جانفي، نهاية فوكوياما، وعودة فرانز فانون،
صوت المعذّبين يعلو فوق كلّ الأصوات..
14 جانفي، الدولة المارقة،
تجمع كفنها… وتقرر الرحيل،
14 جانفي، تخمد سياط الجلاّدين، ولو إلى حين..
14 جانفي، الثورة كما الناقة الجامحة،
تأكل عشب الاستبداد… بلذاذة..
14 جانفي، سقوط الأقنعة المقنّعة،
نهاية “المعجزة”… ودولة الحقوق المغتصبة..
14 جانفي، رؤوس تطايرت،
وأذيال تخفّت… وأتباع،
غمسوا رؤوسهم في التراب،
14 جانفي، الترياق الذي تذوقه الساسة،
ولمّا صعدوا للسدّة، أذاقوه لشعبهم،
ربما عن حسن نيّة، فكثير من الأوطان،
تمّ التفويت فيها… بالنوايا الحسنة..
**************
(4)
14 جانفي، الصعاليك والمتمردون،
والمعارضون القدامى، يطلّون من جديد..
الديمقراطيون، بديمقراطية
“من لم يكن معي، فهو ضدّي”..
والاشتراكيون، بلا شيوعية
ومن دون “ديكتاتورية البروليتاريا”،
وبلا لحية ماركس، أو شوارب “بكداش”..
والإسلاميون، بليبرالية، شعارها،
“من لم يكن إخوانيا، فلا يدخلنّ علينا”..
والقوميون، بخصومات لم تنته،
بين عفلق وسيف الدولة وعبد الناصر..
تخاصم الرفاق… مع الرفاق،
تخلّصوا من لينين… وتنكروا لتروتسكي،
لبسوا بذلة الرأسمالية… بإخراج هوليودي..
توحّد الإخوان… في سلفية جديدة،
قوامها القصر… والسيف… وواجهة الصومعة،
وهات وخوذ… وشدّ مدّ.. يا حمد…
تمترس القوميون حول نماذج من بعث،
بنكهة العسكر، والمذابح القديمة..
الإيديولوجيات ملابس اهترأت من كثرة الاستعمال..
**************
(5)
الثورات… صيد نادر وثمين،
قصعة… تتكالب عليها الأمم،
فريسة… تتهافت عليها الذئاب..
ولدت الثورة التونسية يتيمة،
بلا زعامات… أو مشائخ،
ومن دون رموز… أو كاوبوي،
فقط، بشبان طامحين، ونقابيين،
وشريحة من المستضعفين..
أسالت لعاب الطامعين،
والحالمين بعودة المستعمرات القديمة..
فرنسا، راهنت على دولة الرعايا،
وعندما انهار النظام،
حركت الثعابين والدراويش،
والمشائين في ظلال بزّتها الديغولية..
أمريكا، تحركت في منتصف الطريق،
ببراغماتية باردة،
التقطت الأنفاس التائقة وأمواج الغاضبين،
مسحت على الرؤوس الفارغة بنعومة،
فكثر المهرولون… وما أكثرهم،
مسكت الخيوط… وصممت المقاسات الجديدة،
ثمّ ودعت الصفوف الأمامية،
بعد أن أوصت المصمّم الألماني،
بالقيام بــ “الفينيش” اللازم..
إسرائيل، تموقعت… بالمناولة تارة،
وبأذرع وطنية… وفوق محلية، طورا..
خلطت الأوراق… والرجال… والأشياء،ل،
لتمسك بتلابيب المعادلة،
بمال خليجي… وتدبير عربي…
بعد سنوات من 14 جانفي،
تخلصت الثورة من يتمها،
بات لها آباء ومتبنّون جدد،
ضمّدت جراحها… بأدوية محلية الصنع،
وأطباء بهويات أجنبية،
والحصاد… مخاض ولادة قيصرية،
لنظام… ما قبل 14 جانفي…
**************
(6)
هرول الجميع لقطف تفاحة الحكم والثورة..
استثمروا… ضاربوا… سمسروا،
باعوا… ابتاعوا… بايعوا..
فتاهت الدولة… والحكم… والشعب… والسيادة،
والتنمية… والنموّ… والأمن..
باتت السياسة… واجهة،
لأدوار… ومهمات… ومواقف..
هل انتهت الثورة ؟
ماذا بعد الثورة ؟
ماذا تبقى من ثورة شعب ؟ !
14 جانفي، التفاحة التي،
لم يتذوّق طعمها أحد من شعب الثورة..