الخاسرون والرابحون…
بقلم / رياض الشعيبي*
لا شك أن حسابات الربح والخسارة هي التي سيطرت على تفكير الكتل البرلمانية وهي تحدّد موقفها من حكومة السيد الحبيب الجملي. إلاّ أنّ تطورات المشهد السياسي وحدها هي التي يمكن أن تنفي أو تؤكّد دقّة هذه الحسابات. وفي الحقيقة هذا أهم اعتبار يمكننا أن نقيّم من خلاله الأداء السياسي لأي طرف نجاحا أو فشلا.
ومع ذلك دعنا نسجل بعض الملاحظات المنهجية قبل التوغّل في تحليل هذه التطورات واستتباعاتها:
1 ــ مقياس نجاح أي طرف سياسي في تحقيق أهدافه لا يتوقف عند حيثيات الجلسة العامة، ولا بد من الذهاب بعيدا حيث سيناريوهات تطور الأحداث وخاصة تمحيص فرص تشكيل الحكومة الجديدة والتوازنات المتوقعة داخلها.
2 ــ دخول فاعل سياسي جديد وتأثيره في تشكيل الحكومة متمثلا في رئيس الجمهورية. اذ يجب أن نتوقع أن رسالة التكليف التي ستصدر عنه ستتضمن خيارات منهجية وسياسية واضحة.
3 ــ يبدو أن حادثة الجلسة العامة لها آثار حينية وأخرى متوسطة، وثالثة طويلة الأمد وهي الأكثر عمقا والأقوى تأثيرا:
** فللوهلة الأولى يبدو حزب قلب تونس أكبر الخاسرين، في حين يظهر حزب تحيا تونس أكثر الرابحين.
** أما على المستوى المتوسّط فان كلاّ من حركة النهضة والكتلة الديمقراطية تدخلان المفاوضات الجديدة لتشكيل الحكومة ضعيفتان بسبب الخوف من إعادة الانتخابات.
** في حين أن ما حصل في الجلسة العامة ومن قبل ومن بعد، من تدني الخطاب السياسي، يؤشر لأزمة أخلاقية حادة، تسحب البساط من تحت أقدام كل الأحزاب السياسية، وتفتح البلاد على بدائل غير متوقعة.
وفي كلّ الأحوال، فانّ عدم منح الثقة للحكومة ليس أكثر من مناورة صغيرة، نجحت في أن تخلق حركية ما في المشهد السياسي، لكن موازين القوى وحدها هي العامل الأهم في هذا الخصوص. وما لم تتغير هذه الموازين، فلا يمكننا أن نتوقع تغيرا جذريا للأدوار التي يلعبها مختلف الفاعلين في الساحة. وعليه، فيمكننا أن نقول أن تركيبة الحكومة القادمة ستترجم على الأقل التمثيل النسبي لكل كتلة ستشارك فيها.
هذا فضلا على أنّ رئيس الجمهوريّة، سيشترط في رسالة التكليف تشكيل حكومة ثورية، تستثني رموز المنظومة القديمة والأحزاب المتعلقة بها شبهات فساد. طبعا والمقصود هنا بالأساس كتل “قلب تونس” و”الدستوري الحر” و”الإصلاح الوطني”، وربما حتى “تحيا تونس”. عندها سنكتشف حجم الخسارة التي ستصيب “قلب تونس”، خاصة وهو الذي انقاد وراء تكتيكات “تحيا تونس” وزعيمه يوسف الشاهد.
ويبدو أن بعض الأحزاب السياسية تحاول فرض قراءة مقلوبة للدستور، فتحاول المصادرة على حق رئيس الجمهورية في تكليف الشخص الأقدر بعد التشاور مع الأحزاب. وتطرح بديلا عن ذلك مشاورات فيما بينها تتفق بمقتضاها على الشخصية الأقدر لتقترحها على الرئيس. لذلك برزت بسرعة “جبهة برلمانية” ليلة حجب الثقة على الحكومة من الأطراف التي تخشى أن تكون قد صوتت ليلتها على خروجها من الحكم في نفس تصويتها بالسلب على الحكومة المكلفة. ورغم أن استباق ترشيح الرئيس للشخصية الأقدر من خلال مفاوضات بين الكتل يمكن أن يغضبه، وهو الحريص على احترام الدستور، إلا أن كتلة مثل “الكتلة الديمقراطية” وقعت في هذه الخطيئة، مجازفة بعلاقات الثقة التي بنتها مع رئاسة الجمهورية.
وبالمقابل تذهب “حركة النهضة” لسيناريو الرئيس، معزولة سياسيا ومهزومة معنويّا، تلعق جراحها التي أدماها أبناؤها قبل خصومها. ومثلما دفعها انقسامها الداخلي إلى الفشل في تشكيل الحكومة وتمريرها، فان نفس واقع الانقسام يضعف أداءها السياسي وينذر بأفول نجمها، رغم ما يمكن أن تحققه من مكاسب ظرفية في تمثيليتها في الحكومة القادمة.
وبالمحصلة، لا مصلحة “للنهضة” ولا “للتيار الديمقراطي” أو “حركة الشعب” في الذهاب إلى انتخابات مبكرة. لذلك ستعمل هذه الأطراف الثلاثة تحت هذا الضابط السياسي، لأن تجاوزه يعرضها لخطرّ فقدان مكاسبها الانتخابية الحالية.
في حين أن القوى المستفيدة من أي انتخابات مبكرة، هي تلك التي تقتات من مراكمة حالة الاحتقان والغضب الشعبي، على غرار المنظومة القديمة باختلاف تعبيراتها، و”ائتلاف الكرامة”، الذي يستفيد من تراجع “النهضة”، وقوة انتخابية مفترضة لرئيس الجمهورية، يمكن أن تعبر عن نفسها في أية انتخابات عامّة مبكّرة.
* باحث في الشؤون السياسية