تنفرد “الرأي الجديد” بنشرها: كواليس ومعطيات الساعات الأخيرة لخلاف الحبيب الجملي والغنوشي.. وقيس سعيّد على الخطّ
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
يبدو أنّ ثمّة اتجاها يدفع نحو إفشال مهمة الحبيب الجملي، في تشكيل الحكومة القادمة، والذهاب إلى رئيس الجمهورية، لتكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة، وفقا للفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور.
وعلمت “الرأي الجديد”، أنّ جملة من المعطيات والكواليس، فرضت الاتجاه نحو هذا الخيار، الذي شرعت أحزاب وكتل برلمانية في مناقشته.
فقد بات رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، شديد القلق من استمرار الحبيب الجملي، على رأس الحكومة المقبلة، بعد سلسلة “التجاوزات” التي قام بها في حق الحزب الذي رشحه وكلفه بهذه المهمة..
كواليس.. و”اختراق” الجملي
ووفق بعض المعلومات الموثوقة، فإنّ الغنوشي، أصبح منزعجا من الجملي، لعدّة أسباب من بينها:
ــــ تشكيله حكومة تتألف من شخصيات، لم يجر التشاور بشأنها مع رئيس الحركة..
ــــ اختياره لأسماء عليها شبهات فساد، أو قلة كفاءة أو انعدامها، بما سوف يضع “النهضة”، بوصفها الحزب الأغلبي في البرلمان، في فوهة النقد، وغير قادرة على إنجاز شيء للمجتمع، وهو الأمر الذي تراهن عليه في المرحلة المقبلة، لتصحيح وضعها وشعبيتها لدى الرأي العام في تونس..
ــــ وجود شخصية محورية في فريق الجملي العامل معه في قصر الضيافة، على علاقة برئاسة حكومة تصريف الأعمال، وكان سببا في فشل العديد من المشاورات، بما في ذلك، المشاورات الخاصة بالائتلاف، الذي كان سيضمّ “حركة الشعب” و”التيار الديمقراطي”، إلى جانب تسريب العديد من المعلومات المتعلقة بالمفاوضات وشخوصها وكواليسها، بما يعني أنّ الرجل الذي كلفته “النهضة”، مخترقا، بشكل أفسد الكثير من السيناريوهات التي تم إعدادها لتشكيل الحكومة القادمة..
ــــ أنّ الحبيب الجملي، الذي تحوم حول استقلاليته، شكوك عديدة من قبل أحزاب كثيرة، بات يتصرف كرجل مستقلّ فعلا، رافضا في كثير من الأحيان، حتى مجرد التشاور مع رئيس حركة النهضة، وعلمت “الرأي الجديد” في هذا السياق، أنّ الرجل، رفض الكثير من الدعوات التي وجهها له الغنوشي، لترتيب بعض التوافقات، بعد التحفظات السياسية الصادرة عن عدّة أحزاب، بخصوص تركيبة الحكومة..
ومما يتردد في هذا السياق، أنّ رئيس حركة النهضة، جمع مؤخرا بعض الأطراف السياسية والبرلمانية في بيته، ودعا الجملي للالتحاق بالاجتماع، لبحث توافقات ممكنة معها، غير أنّ الجملي رفض ذلك، مشيرا إلى أنّه “سيدعو هؤلاء، إذا ما رأى ضرورة لذلك”، الأمر الذي وضع رئيس “النهضة” في حرج مع الأطراف التي دعاها..
الصراع على القيادة
من جهة أخرى، يبدو أنّ الصراع على قيادة حركة النهضة في المرحلة المقبلة، ألقى بظلاله على العلاقة وعملية التأثير على الحبيب الجملي.
وتفيد معلومات دقيقة في هذا السياق، أنّ الرجل وقع تحت تأثير بعض القيادات المرشحة لخلافة راشد الغنوشي، على رأس “النهضة”، وهي القيادات التي وضعت الجملي أمام خيار الإنصات إليها، باعتبارها تمثّل “تيار المستقبل” صلب الحزب، وعملت بالتالي على إقناعه، بأنّ القيادة الحالية للحركة، التي يفترض أن تغادر الحزب بموجب المؤتمر الحادي عشر، المقرر ــ مبدئيا ــ في الصائفة القادمة، لم يعد لها شأن كبير في مستقبل الحزب، ومن ثمّ في مستقبله على رأس الحكومة، وهو ما يبدو أنّ الحبيب الجملي، مشى فيه بشكل كبير، وبات جزءا من هذا “التيار”، على الأقل على صعيد الموقف والمقاربة.
ولعلّ هذا ما يفسّر إلى حدّ كبير، خروج بعض الأصوات من داخل حركة النهضة، ممن وجهت انتقادات لاذعة للجملي، في إطار “حرب الشقوق” صلب الحركة، على خلفية المؤتمر القادم.
ويبدو أنّ الحبيب الجملي، الشخصية التي وقع تكليفها بقيادة المشاورات لتشكيل الحكومة، استوعبت هذه التناقضات صلب حركة النهضة، وحاولت الاستفادة منها، حتى في مواجهة رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، الذي تتحدث بعض المعلومات، عن وجود “أزمة ثقة” بين الرجلين، خصوصا بعد أن حاول الجملي الأحد قبل الماضي، وضع رئيس الجمهورية في مأزق، إثر إعلانه في المؤتمر الصحفي، عن تسليم تشكيلة الحكومة إلى قيس سعيّد، قبل أن تخرج رئاسة الجمهورية ببلاغ، تشير فيه إلى أنّه وضع تشكيلة للتشاور بشأنها، وليس لاعتمادها..
وتقول مصادر متطابقة، أنّ قيادة حركة النهضة، باتت أشدّ حرصا على إفشال مهمة الحبيب الجملي، سواء من خلال عدم التصويت للحكومة المقترحة في البرلمان، أو من خلال دفع الجملي إلى الاستقالة قبل الجلسة البرلمانية لمنح الثقة، المقررة الجمعة القادم، والذهاب باتجاه رئاسة الجمهورية، لتكليف شخصية جديدة، يحرص يوسف الشاهد، رئيس حكومة التصريف، على أن يكون الشخصية المعنية بالتكليف الجديد، وهو يتحرك يمينا ويسارا، لكي يكون الشخصية التي تحظى بذلك، خصوصا من رئاسة الجمهورية.
ودخل الشاهد، وحزبه، “تحيا تونس”، في مشاورات مع أكثر من طرف، بما في ذلك، حزب “قلب تونس”، من أجل تحشيد الأطراف السياسية والحزبية الممثلة في البرلمان، للتصويت له، وافتكاك المبادرة من “حركة النهضة”..
سيناريو “تكليف الرئيس”
ووفق المعطيات التي حصلت عليها “الرأي الجديد” من مصادر رفيعة المستوى، فإنّ اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، أمس، تمحور بالأساس، حول موضوع الحكومة القادمة..
وناقش الطرفان في هذا السياق، سيناريو فشل الحبيب الجملي في التشكيل الحكومي، والإسم الذي من الممكن اقتراحه للمرحلة المقبلة..
وحسب ما توفر لدينا من معلومات، فإنّ الرئيس، قيس سعيّد، اقترح شخصية، ما يزال الغنوشي غير مقتنع بها، وربما اعتبرها “مشابهة للجملي”، ونسخة مطابقة للأصل منه، وبالتالي لم بيد اطمئنانا واضحا إزاءها، على الرغم من استقلاليتها ونزاهتها.. وهو من الأسماء التي تردد ذكرها في مجلس شورى “حركة النهضة” من بين المرشحين للتكليف بتشكيل الحكومة..
ورغم أنّ رئيس الجمهورية، غير متحمّس لمقولة “حكومة الرئيس” على النحو الذي تتحدث عنه “حركة الشعب”، إلا أنّه أدخل ضمن أجندته، سيناريو المرور إلى الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور، لإنهاء ما بات الرئيس، قيس سعيّد، يعتبره “عملا طال أمده”، في إشارة إلى عملية تشكيل الحكومة.
والملاحظ في هذا السياق، أنّ رئيس الجمهورية، بات في وضع أفضل للتدخل في مسألة التشكيل الحكومي، وبالتالي في اللعبة السياسية، فيما بدأت حركة النهضة، تخسر الأوراق التي كانت بين أيديها، وهي كثيرة ومعقدة.
في هذا السياق، تتزايد الأصوات النهضوية المنزعجة من إمكانية تفريط “النهضة” في دورها الأساسي في التشكيل الحكومي، وبعضها يلقي باللائمة على الجملي، وأخرين على الغنوشي وبعض المحيطين به..
تبقى فرضية أساسية، وهي أن يحرص الغنوشي، على استعادة الجملي خلال الساعات القادمة، وتمرير الحكومة المقترحة، حتى من دون مراجعات في بعض الأسماء، طالما أنّ التصويت لها يمكن أن يتم بحساب 109 إلى 123 صوتا، ضمنها الغنوشي، بفضل الأوراق التي بين يديه في علاقة ببعض الكتل والأحزاب، التي يوجد بينه وبينها، “خطّ وصال” حقيقي و”تفاهمات كواليسية” هامة.. وهناك قناعة لدى القيادة المركزية لحركة النهضة، بأنّ مرحلة ما بعد التصديق على الحكومة، ستكون مغايرة وتتضمن تفاهمات وتوافقات أخرى، يجري الآن صياغة بعض تفاصيلها، مع قوى سياسية عديدة، تمهيدا للمرحلة المقبلة..