منتدى حقوقي: معاملة تونس للاجئين مخالفة للدستور والقوانين الدولية
تونس ــ الرأي الجديد (متابعات)
أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بحثا حول قضايا الهجرة في تونس، تحت عنوان “المهاجرون المودعون بمركز الوردية: محتجزون، فمرحّلون أو عائدون “قسرا”.
وخلص البحث، إلى أن تونس ما تزال تفتقد لأي رؤية أو مقاربة عميقة للتعامل مع ظاهرة الهجرة بأبعادها المتعدّدة، “وتقتصر في ذلك على مقاربة أمنية صرف تعوزها الشرعية القانونية، وتتعارض مع روح الدستور ومع مقوّمات دولة القانون والمؤسّسات، ومخالفة بالضرورة للاتّفاقيات والمعاهدات الدولية المتّصلة بحماية اللاجئين”.
واعتبر البحث، أنّ مركز الإيواء والتوجيه بالوردية يمثّل انعكاسًا حقيقيًا لعجز السلطات التونسية عن بلورة إستراتيجية وطنية واضحة فيما يتعلّق بظاهرة الهجرة أو لعدم رغبتها في ذلك.
ولفت البحث، إلى أنه يتم إيداع المهاجرين بهذا المركز في ظروف صعبة والاحتفاظ بهم دون أي أساس قانوني أو سند قضائي قبل أن يتم ترحيلهم إلى الحدود التونسية، “وفي أفضل الحالات يتم دفعهم دفعًا إلى مغادرة الأراضي التونسية في إطار تنفيذ برامج “العودة الطوعية” بالتعاون خاصة مع المنظمة الدولية للهجرة”.
وأظهرت الإحصائيات التي استند إليها بحث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنّ 1059 مهاجرا تمّ احتجازهم بمركز الوردية ومركز بنقردان الراجع لها بالنظر إلى حدود شهر نوفمبر 2019.
ويفوق عدد المهاجرين المحتجزين في مركز الوردية نظراءهم في مركز بنقردان خلال نفس الفترة، حيث ضمّ مركز الإيواء والتوجيه بالوردية 576 مهاجرا بنسبة 55،44 بالمائة من إجمالي المهاجرين المحتجزين، في حين استقبل مركز بنقردان 463 مهاجرا في نفس الفترة وذلك بنسبة 44.56 بالمائة.
وفي ما يلي ملخص البحث الذي نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
يتنزّل هذا البحث في سياق سعي المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى تكثيف الدراسات والأعمال البحثية من أجل خدمة قضايا الهجرة في تونس ومناصرتها في ظلّ تفاقم هذه الظاهرة نتيجة لعدّة عوامل جغرافية واقتصادية وسياسية تحوّلت معها تونس، شيئًا فشيئا، من بلد عبور للمهاجرين إلى بلد يقصدونه للاستقرار به أيضا.
وقد خلصت هذه الدراسة، المنجزة على امتداد 3 أشهر، انطلاقًا من زيارة ميدانية لمركز الإيواء والتوجيه بالوردية ومن خلال الشهادات الّتي تمّ تجميعها والحوارات واللقاءات الّتي تمّ إجراؤها مع عدد من المهاجرين الّذين تمّ احتجازهم في فترات مختلفة بالمركز المذكور ومع مجموعة من الخبراء في القانون والمحامين ونشطاء المجتمع المدني المهتمين بموضوع الهجرة، إلى أنّ تونس ورغم ازدياد عدد المهاجرين إليها أو عبرها، وخاصة منهم الأفارقة الفارين إمّا من أهوال الحروب أو من ضنك العيش أو من بطش الأنظمة الّتي تحكم دولهم، لاتزال تفتقد لأي رؤية أو مقاربة عميقة للتعامل مع ظاهرة الهجرة بأبعادها المتعدّدة السياسية والإنسانية والاقتصادية والنفسية والفكرية وتقتصر في ذلك على مقاربة أمنية صرفة تعوزها الشرعية القانونية وتتعارض مع روح الدستور ومع مقوّمات دولة القانون والمؤسّسات ومخالفة بالضرورة للاتّفاقيات والمعاهدات الدولية المتّصلة بحماية اللاجئين، فضلاً عن عجزها رغم ذلك عن إيجاد حلول حقيقية وناجعة لهذه الظاهرة.
ويمكن القول إنّ مركز الإيواء والتوجيه بالوردية يمثّل انعكاسًا حقيقيًا لعجز السلطات التونسية عن بلورة إستراتيجية وطنية واضحة فيما يتعلّق بظاهرة الهجرة أو لعدم رغبتها في ذلك. حيث يتم إيداع المهاجرين بهذا المركز في ظروف صعبة والاحتفاظ بهم دون أي أساس قانوني أو سند قضائي قبل أن يتم ترحيلهم إلى الحدود التونسية، وفي أفضل الحالات يتم دفعهم دفعًا إلى مغادرة الأراضي التونسية في إطار تنفيذ برامج “العودة الطوعية” بالتعاون خاصة مع المنظمة الدولية للهجرة.
ولئن كان من حق تونس، كغيرها من دول العالم، أن تحرص على حماية سيادتها الوطنية وأمنها الإقليمي وحدودها وأن تسعى لتنظيم تدفّق المهاجرين إليها وأن تضبط شروط إقامتهم بها، فإنّ ممارسة هذا الحق بعقيدة أمنية صرفة تفتقد لسند قانوني واضح ولا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي الهش للمهاجرين وما تخوّله لهم الاتّفاقيات الدولية من حماية وما تكفله لهم من حقوق وما تفرضه على الدول من واجبات في التعامل معهم، يطرح عديد التساؤلات حول الدور الّذي تريد أن تلعبه تونس في هذا المجال وحول الصورة الّتي ترتضيها لنفسها. هل أصبحت فعلاً “حارسًا لحدود أوروبا” و”منصّة لفرز المهاجرين إليها” في ظلّ تنامي الطابع الزجري للسياسات الأوروبية المتوخّاة في هذا المجال أم أنّها تقوم بذلك لثني المهاجرين عن التفكير في تونس كبديل عن الأراضي الأوروبية الّتي لم تعد ترغب في استقبالهم؟؟
أرقام وإحصائيات :
– تظهر إحصائيات مكّنتنا منها إدارة مركز الإيواء والتوجيه أنّ 1059 مهاجرا تمّ احتجازهم بمركز الوردية ومركز بنقردان الراجع لها بالنظر إلى حدود شهر نوفمبر 2019.
– يفوق عدد المهاجرين المحتجزين في مركز الوردية نظرائهم في مركز بنقردان خلال نفس الفترة (جانفي-أكتوبر 2019). حيث ضمّ مركز الإيواء والتوجيه بالوردية 576 مهاجرا بنسبة 55،44 % من إجمالي المهاجرين المحتجزين، في حين استقبل مركز بنقردان 463 مهاجرا في نفس الفترة وذلك بنسبة 44.56 %.
– جاء “اجتياز الحدود خلسة” في مقدّمة أسباب احتجاز المهاجرين (55،20%)، يليه “التورّط في قضايا عدلية” (19،36 %)ثمّ “تجاوز مدّة الإقامة” (11،27 %). ومن الملفت للانتباه، وجود سبب احتجاز بعنوان “مزيد التحرّي في شأنه”، والّذي يطرح عدّة تساؤلات مشروعية احتجاز أشخاص لفترة قد تتجاوز عدّة أشهر في بعض الأحيان دون تهمة أو جرم واضح غير “مزيد التحرّي في شأنهم”!
-يتوزّع المهاجرون الّذين تمّ احتجازهم خلال الفترة الممتدّة بين غرّة جانفي وموفّى أكتوبر 2019 حسب القارّات إلى أربعة قارّات تتصدّرها القارّة الإفريقية (93.35 %)، تليها القارّة الأوروبية (03.08 %) ثمّ القارّة الآسيوية، فيما تتذيّل القارّة الأمريكية الترتيب.
-ينتمي المهاجرون المحتجزون بمركز الوردية والمراكز الراجعة له بالنظر، بين جانفي وأكتوبر 2019، إلى أكثر من 33 جنسية مختلفة. وجاءت الجنسية الجزائرية في صدارة الترتيب بنسبة 36.19 %، تليها السودانية بنسبة 16.16 %، ثمّ الجنسية الإيفوارية بنسبة 14.45 %. وتتباين هذه النسب مع نظيراتها المسجّلة سنة 2018، حيث كان الإيفواريون أكثر الأجانب المحتجزين بالمركز بنسبة 29.27 %، تليها الجنسية الجزائرية بنسبة 15.69 %، ثمّ الغينية بنسبة 06.30 %. في حين لم تتجاوز نسبة حاملي الجنسية السودانية 00.42 %.
-لا تقدّم السلطات التونسية أرقاما رسمية للمهاجرين الّذين تمّ “طردهم” أو “إعادتهم” إلى بلدانهم أو “ترحيلهم”. بينما يكشف تقرير للمنظمة الدولية للهجرة أنّها قامت ب”مساعدة” 584 مهاجرا على “العودة” من تونس إلى بلدانهم الأصلية في إطار المساعدة على “العودة الطوعية وإعادة الإدماج”.
“عودة طوعيّة”… حقّا؟ !
تصف أخصائية نفسانيةتعمل في مجال الهجرة منذ 2011 العودة الطوعية التي يخضع لها المحتجزون في مركز الوردية ب”العودة الطوعية القسرية”، شارحة أنّ احتجاز مهاجرين لأسابيع وأشهر طويلة لا يترك لهم فعليا حرية الاختيار. “لا يمكن الحديث عن اختيار حرّ وطوعي في حالة المهاجرين المحتجزين. فهم يكونون في وضع نفسي صعب بعد فترة متفاوتة الطول من الاحتجاز والعزلة عن ذويهم وأحبّائهم. وعندما تخسر كل شيء، مالك ووثائقك وعملك وربّما أفرادا من عائلتك، وتكون مجبرا على المغادرة في نهاية الأمر مهما قاومت وصمدت، فـستختار مجبرا أن تعود إلى بلدك بدل أن يتمّ إبعادك وترحيلك قسرا إلى الحدود “.
وتعتبر المحامية في مجال حقوق الإنسان ونائبة رئيس معهد العلاقات العرقية فرانسيس ويبر أنّ العودة الطوعية ليست سوى بديل للاحتجاز إلى أجل غير مسمّى وللترحيل القسري، وأقصى ما يمكنها فعله هي جعل الترحيل أكثر جاذبية وقبولا.
وقد توجّهنا عبر البريد الإلكتروني إلى رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تونس بالسؤال عن عدد المهاجرين الذين كانوا محتجزين في مركز الوردية من بين من شملتهم “العودة الطوعية”، وعن مدى إمكانية الحديث عن عودة طوعية لمهاجرين كانوا محتجزين في ظروف نفسية صعبة، لكنّنا لم نتلق أي ردّ على أسئلتنا.
في الواقع، جاء الردّ، بشكل غير متوقّع، عبر رسالة قصيرة على الهاتف من قبل مسؤولة الاتّصال والمعلومات العامّة بالمنظمة “هاهاهاهاها، أحبّ رسالتك الإلكترونية”.
بعض شهادات المهاجرين المحتجزين بالمركز:
“نحن محتجزون كمساجين هنا. أشعر بتوعّك منذ ثلاثة أيام وطلبت منهم نقلي إلى المستشفى. قالوا لي “أصبر”. ك. محتجز بمركز الوردية
” كنت سجينا في بلدي، ثم جئت إلى هنا بحثا عن ملجأ آمن، لكنني وجدت نفسي في السجن مجددا. هذا الوضع يرهقني نفسيا. ” ف. مهاجر محتجز بمركز الوردية
” الظروف هنا ليست جيدة… لأن الحمّامات متّسخة، ولا أحصل على ما يكفي من الطعام لأشبع.” أ. مهاجر محتجز بمركز الوردية
“لم يكن من العدل وضعه على الحدود بتلك الطريقة التي تعرّضه والآخرين إلى مخاطر عديدة. ولم يكن لديه مال كي يعود. لم يكن يعرف أين يذهب. لم يكن لديه شيء. بعد مسير طويل، صادف الشرطة الجزائرية وهي التي أخذته وأدخلته إلى الجزائر أين وضع مرة أخرى في مركز إيواء تابع لمنظمة دولية، ومن هناك تمّ ترحيله إلى النيجر حيث تمكن أخيرا من الاتصال بوالديه الذين أرسلا إليه أموالا كي يتمكن من العودة إلى الوطن.”
إ.، زوجة مهاجر إيفواري محتجز سابقا في مركز الوردية
” لقد استجوبوا صديقي عدّة مرات، وأخبروه آخر الأمر أنه يتعين عليه تدبّر اقتناء تذكرة الطائرة الخاصّة به، وبسرعة. أخبروه أنه يجب عليه أن يغادر في أسرع وقت ممكن وإلاّ فإنّهم سيقومون بترحيله إلى الجزائر، ولهذا السبب كان خائفا وطلب منك (الصحفية) مساعدته على اقتناء تذكرة.”أ. محتجز سابق في مركز الوردية.