أجندات متضاربة: لماذا لم يتمكن “أردوغان” و”ترامب” من تسوية خلافات البلدين؟
عواصم ــ الرأي الجديد / د. مروة نظير
يُعدّ الرئيسان الأمريكي “دونالد ترامب” والتركي “رجب طيب أردوغان” من أكثر القادة إثارةً للجدل وللاهتمام بين المعنيين بشئون منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرجع ليس فقط إلى انخراطهما في العديد من القضايا الحيوية في المنطقة، وإنما أيضًا بسبب طبيعة شخصية كلٍّ منهما التي يعتبرها كثيرون غير تقليدية وفق العديد من المعايير. في هذا السياق، ترقّب كثيرون نتائج اللقاء الذي جمع الرئيسين في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الخميس 14 نوفمبر الجاري، ولا سيما في ظل توقيت عقده والقضايا المطروحة على أجندته والنتائج المأمولة والمتوقعة منه.
توقيت اللقاء:
عُقد اللقاء بين “ترامب” و”أردوغان” في ظل حالةٍ من عدم التأكد وصلت إلى حدّ توقعات بإلغاء زيارة “أردوغان” للولايات المتحدة أصلًا بسبب التوترات التي شابت العلاقة بين أنقرة وواشنطن والتي عكستها لقطات مختلفة من قبيل إقرار مجلس النواب الأمريكي في التاسع والعشرين من الشهر الماضي قانوني “الاعتراف بمذبحة الأرمن” و”العقوبات بسبب العملية العسكرية في سوريا”، فضلًا عن الخطاب الذي وجّهه “ترامب” لنظيره التركي ودعاه فيه ألا يكون متصلبًا ولا أحمق، ثم ناعتًا التصرف تجاه الأكراد بالحماقة، ما جعل “أردوغان” نفسه يُلمح إلى إمكانية العدول عن زيارته لواشنطن.
وهناك -من ناحيةٍ أخرى- رفض قطاعات ملحوظة من الساسة الأمريكيين لزيارة “أردوغان”، وهذا ما انعكس مثلًا في الرسالة التي وجّهها أعضاء من الكونجرس يمثلون الحزبين الجمهوري والديمقراطي معًا إلى الرئيس “دونالد ترامب”، جاء نصّها كالتالي: “نعتقد أن الوقت غير مناسب لاستقبال الرئيس أردوغان في الولايات المتحدة، ونحثك على سحب دعوتك”. فضلًا عن معارضة آخرين اعتبروا أن مجرد استقبال “أردوغان” بمراسم احتفالية بالبيت الأبيض، بمثابة هدية له تعزز موقعه. في الوقت الذي طرح فيه آخرون تساؤلًا حول سبب دعوة “أردوغان” رغم معارضة المؤسسة العسكرية الأمريكية ذلك بسبب تدخل الجيش التركي في سوريا، وتوجيه اتهامات له بارتكاب جرائم حرب، بما فيها هجمات كيماوية ضد السوريين.
بيد أن تفاعلات السياسة الداخلية في كلا البلدين دفعت الرئيسين إلى إتمام الزيارة على الرغم من تلك العوامل. فعلى الجانب الأمريكي، يستعد “ترامب” لخوض حملته الرئاسية لانتخابات 2020 وهو يحتاج إلى تأكيد نجاحاته في مجال السياسة الخارجية، وعدم فقدانه تركيا الحليف الاستراتيجي لبلاده في المنطقة، مؤكدًا أهميتها إذا ما قورنت بقوات “قسد” في سوريا. أما على الجانب التركي، فيبدو أن الرئيس التركي كان هو الآخر في حاجة إلى إتمام هذه الزيارة، ولا سيما في ظل تعرض جبهته الداخلية للاهتزاز على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والعملية العسكرية التي قام بها في سوريا.
قضايا خلافية:
شملت أجندة زيارة “أردوغان” لواشنطن عددًا من القضايا التي تعكس ما شاب علاقات الحليفين من توتر غير مسبوق خلال الشهور الماضية، ومن أهم هذه القضايا:
1- ملف مكافحة الإرهاب: حملت الأيام الأخيرة إشارات عدة إلى تباين وجهات النظر بين البلدين حول ملف محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط. فعلى الجانب التركي، يبدو أن نقطة الاهتمام الأساسية تتمثل في محاربة المنشقين الأكراد الذين يندرجون على قائمة الإرهاب وفق تعريف أنقرة للجماعات والقوى الإرهابية. في حين تركز واشنطن على محاربة تنظيم داعش. كما وجه “أردوغان” عدة انتقادات لواشنطن في هذا الإطار حيث أشار إلى أنها أثارت ضجة كبيرة حول عملية تصفية “أبو بكر البغدادي” زعيم التنظيم المتطرف. وحاول “أردوغان” التقليل من أهمية الدور الأمريكي في القضاء على زعيم التنظيم، في الوقت الذي كان فيه “ترامب” يستثمر هذا الإنجاز في حملته الانتخابية. ثم عادت أنقرة لتعلن أنها اعتقلت شخصيات مقربة من زعيم “داعش” من ضمنهم أحد أبنائه وأرملته وشقيقته وصهره، مشيرة إلى “كنز من المعلومات” سيفيد في مكافحة التنظيم الإرهابي، ويساعد على تفكيك خلاياه في الغرب.
2- صواريخ (إس- 400): الأمر الذي يثير غضبًا واضحًا في واشنطن، فشراء أنقرة للنظام الروسي لا يتوافق مع دفاعات الناتو، ويشكل أيضًا تهديدًا للطائرة النفاثة المقاتلة من طراز (إف- 35) لوكهيد مارتن، مما يعني في النهاية أن تركيا تعمق العلاقات مع موسكو على حساب شراكتها مع الولايات المتحدة، وهو ما يستوجب فرض عقوبات ضدها وفق القانون الأمريكي بدأت بالفعل باستبعاد تركيا من المشاركة في برنامج طائرات إف-35 كمنتِج ومشتَرٍ.
3-ملف أكراد سوريا: أصبحت هذه القضية على المحك بعد إعلان “ترامب” سحب القوات الأمريكية المنتشرة على نقاط حدودية في شمال شرقي سوريا، وبعدما شنت أنقرة في التاسع من أكتوبر عملية “نبع السلام” على قوات قسد المدعومة من التحالف الدولي، ما حدا بواشنطن للتلويح بفرض عقوبات مالية قاسية على تركيا قبل أن تقوم بوساطة قادها نائب الرئيس الأمريكي “مايك بنس” ووزير الخارجية “مايك بومبيو” وانتهت بوقف أنقرة عدوانها على الأكراد مقابل ضمان الطرف الأمريكي انسحاب القوات الكردية من منطقة آمنة بعمق 30 كم وبطول 120 كم. إلا أن “أردوغان” استبق زيارته لواشنطن بالتشكيك في وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها فيما يتعلق بسحب المسلحين الأكراد من المنطقة التي فرضت عليها أنقرة سيطرتها.
4-التقارب التركي-الإيراني: أثار التقارب التركي-الإيراني غضب الولايات المتحدة التي رأت فيه محاولة تركية لإضعاف العقوبات على طهران، لا سيما وأن “أردوغان” أبدى تعاطفًا مع إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية، وسعى إلى فتح منافذ من شأنها مساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية. ومن الجدير بالذكر أن القضاء الأمريكي ينظر حاليًّا في قضية بنك خلق التركي الذي سهّل خرق العقوبات على إيران، فيما عبّرت أنقرة عن دعمها لمسئول مصرفي تركي يحاكم في هذه القضية معتبرة أن القضية مسيسة.
5- حجم التبادل التجاري: حيث أثار الطرفان فكرة ضرورة توسيع نطاق التعاون التجاري بينهما بما يصل لقيمة 100 مليار دولار، لا سيما وأن التبادل التجاري لا يتجاوز حاليًّا 20 مليار دولار على الرغم من وجود العديد من المجالات والفرص التي تسمح بذلك.
نتائج المباحثات:
من خلال متابعة فعاليات زيارة “أردوغان” لواشنطن، وما تمخض عنها من تصريحات من قبل رئيسي البلدين، يمكن القول إن الزيارة غلب عليها الطابع البروتوكولي دون أي قدرة على إحداث انفراجة حقيقية في القضايا الشائكة بين البلدين. فعلى الرغم من تصريح “ترامب” بأنه معجب بشدة بالرئيس التركي، ورغم إسهابه في الحديث عن صداقة شخصية قوية مع “أردوغان”، والتأكيد على أن اللقاء بينهما كان مثمرًا؛ إلا أن كلا الزعيمين لم يشرحا بعبارات واضحة كيف سيتغلبان على الخلافات المتفاقمة بينهما. بعبارة أخرى، لا يوجد دليل على أن الاجتماع بين “ترامب” و”أردوغان” كان مثمرًا.
فمن ناحية أولى، لم يتم التفاوض بعد على إبرام اتفاق تجاري بين البلدين كما كان متوقعًا، وإن كان “أردوغان” أكد ضرورة عدم الخلط بين الملفات السياسية والتجارية، داعيًا إلى رفع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وتركيا، خاصة في مجال تطوير الصناعات الدفاعية بشكل مشترك بين البلدين.
من ناحية ثانية، يرى كثيرون أن “أردوغان” لم يُظهر ذات المودة التي أظهرها “ترامب” له، حتى إنه لم يتظاهر بأنه يأخذ بجدية الرسالة الشهيرة التي بعث بها “ترامب” له في 9 أكتوبر الماضي، والتي قال فيها: “لا تكن متصلبًا.. لا تكن أحمق”، وعلّق عليها قائلًا: “أعدتها إلى السيد الرئيس اليوم” دون تفاصيل إضافية. وانعكست تلك الروح أيضًا في تناوله مسألةَ إدانة الكونجرس الأمريكي للإبادة الجماعية للأرمن، حيث أشار إلى أنّ القرارات التي اتخذها مجلس النواب في 29 أكتوبر أساءت إلى الشعب التركي، مؤكدًا أن ما جرى للأرمن “قبل حوالي 104 سنوات في ظل ظروف الحرب يجب أن يناقشه المؤرخون، لا الساسة”. كما انسحب غياب المودة أيضًا إلى دعوة “أردوغان” الولايات المتحدة إلى تسليم المطلوبين من تنظيم “كولن” إلى تركيا، قائلًا: “لا يمكن قبول استمرار الولايات المتحدة في إيواء من قام بمحاولة الانقلاب في تركيا”.
ومن ناحية ثالثة، وفيما يخص الملف السوري، أوضح “أردوغان” أنه طلب من “ترامب” وقف دعمه لميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة معادية لها، لكنها تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، الشريك الرئيسي لأمريكا في سوريا الذي يُقاتل تنظيم “داعش”، لكنه لم يقل كيف استجاب “ترامب” لهذا الطلب.
ولم تتم تسوية قضية شراء تركيا (نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400)، حيث قال الرئيسان إنهما سيعملان على حل مشكلة تلك الصفقة، دون أن يقولا كيف، وإن رجّح البعض حدوث انفراجة منتظرة في هذا الملف في ضوء تلميحات “أردوغان” لأعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي الذين التقى بهم بأنه لا ينوي شراء منظومات أسلحة روسية، وأنه يفضّل مواصلة اعتماد بلاده على صواريخ “باتريوت” الدفاعية الجوية. كما أعرب عن نيته العودة إلى المساهمة في مشروع صناعة مقاتلات (إف- 35) الأمريكية المتطورة، مشيرًا إلى أن بلاده لم تقم بتشغيل منظومة الدفاع الصاروخية الروسية (إس- 400) بعد، كما ألمح “أردوغان” أيضًا إلى أن أنقرة قد لا تشغلها أبدًا.
ختامًا، يمكن القول إن هذه الزيارة أخفقت في تحقيق أهداف كلٍّ من “ترامب” و”أردوغان” على المستوى المحلي، حيث أدت إلى تعرض كلٍّ منهما لمزيدٍ من الانتقادات من قبل معارضيهما. ففي أنقرة انتقدت بعض قوى المعارضة تكلفة الزيارة التي أجراها “أردوغان” إلى الولايات المتحدة والتي بلغت 82 مليون ليرة (14.25 مليون دولار)، في حين أن الأوضاع الاقتصادية متردية، مؤكدة أن “أردوغان” وفريقه ينفقون أموال الشعب من أجل ارتكاب أخطاء في السياسة الخارجية. أما على الجانب الأمريكي، فقد تم توجيه انتقادات لـ”ترامب” بسبب استقباله “أردوغان” على الرغم من معارضته للمبادئ والقيم الأمريكية، فضلًا عن سجله المثير للجدل في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين المحلي والإقليمي.