كيف ينظر الرئيس الجديد للسياسة الخارجية ؟
تونس ــ الرأي الجديد (متابعات)
قدّم الرّئيس المنتخب قيس سعيّد، فور إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، أولى الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، بالإشارة إلى السيادة الوطنية، والقضية الفلسطينية، وتمتين العلاقة مع شعوب العالم.
وقال قيس سعيّد، خلال ندوة صحفية سابقة، “سنعمل من أجل القضايا العادلة؛ وأولها القضية الفلسطينية، وسنبني علاقات جديدة مع الأمم والشعوب كلها”.
وأكّد سعيّد أيضا، أنّ “الدولة ستستمر بقوانينها وتعهداتها الدولية”، كما لم يفوت فرصة “شكر الأشقاء في كل البلدان العربية والإسلامية”، معربا عن رغبته في زيارة ليبيا، معلنا الجزائر أولى محطاته الخارجية.
وكان الرئيس المنتخب، دعا، في تصريحات سابقة، إلى “ضرورة الاعتزاز بالعروبة وبالانتماء إلى الأمة”، مشيرا إلى وجود “حاجة لتعديل تسمية جامعة الدّول العربيّة لتصبح جامعة الأمة العربية”.
السيادة الوطنية
رأى الدبلوماسي التونسي الّسابق توفيق ونّاس، أنّه “من الصّعب الآن التنبؤ بملامح السياسة الخارجية التي سيعتمدها سعيد، لأنه ليس للأخير أي تاريخ في ميدان العلاقات الدبلوماسية”.
واستدرك توفيق وناس، “ولكن يمكن أن نستشف بعض الاتجاهات العامّة لهذه السياسة من خلال تصريحاته.”
واعتبر ونّاس أنّ “السيادة التّونسية سيكون لها مكانة خاصة في ظل حكم سعيّد، وستتجلى أساسا من خلال العلاقات الخارجية سواء مع أوروبا وحتى دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، وسيعمد الرئيس الجديد للبحث عن المصلحة التونسية خاصة في المجال الاقتصادي”.
وأضاف الدبلوماسي السابق، أن سعيّد “سيدعم بالتأكيد القضايا العادلة في العالم وخاصة منها القضية الفلسطينية، وقضايا التحرر في العالم عموما”.
و”بما أنه (سعيد) رجل قانون”، يتابع الخبير، فـ”سيتمسّك بالشرعية الدولية حسب قرارات المنظمات الدولية والأمم المتحدة وكل المعاهدات وقواعد القانون الدولي”.
الوحدة المغاربية
ويقول الديبلوماسي وناس في هذا الخصوص، إنه “ستكون في رؤية سعيّد للسياسة الخارجية محاولة لإحياء المشروع المغاربِي، وذلك “عبر حل الوضع في ليبيا، وإعطاء دور معين لتونس والجزائر في هذا المجال”.
وتابع أنه “سيكون هناك تنسيق وتعاون مع دول المغرب العربي الخمسة (تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا) لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي (المتعثّر)، بمحاولة حل معضلة (إقليم) الصحراء بين الجزائر والمغرب وجبهة البوليساريو، أحد الملفات الهامة التّي سيوليها الرّئيس الجديد أهمية.”
وفي ما يتعلق بالملف الليبي، يرى الدبلوماسي أن “مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لإيجاد حل في ليبيا، لم تعط أي نتيجة، ما سيجعل سعيّد يبحث عن طرق أخرى للعب دور ما لتونس في هذا الملف”.
وفي يناير 2017، أطلق السّبسي مبادرة لحل الأزمة الليبية بالتنسيق مع مصر والجزائر، دعا فيها كافة الأطراف الليبية إلى “الإسراع بإيجاد أرضية مشتركة للحوار والمصالحة، ونبذ الفرقة والإقصاء لبناء دولة ليبية ينعم فيها الشعب بالأمن والاستقرار”.
العلاقات مع أوروبا
وبخصوص العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم فرنسا التي تعتبر الشريك الاقتصادي الأول لتونس، وصف ونّاس هذه العلاقات بـ”القديمة والهامة”.
وتابع توفيق وناس، “أتصور أن سعيّد لن يواصل العلاقات على شاكلتها الحاليّة، ومن المشاكل التي تم طرحها هو عدم الرضا على الوضع الحالي، ولذلك من الضروري نفض الغبار عليها وتصحيحها”.
واستحضر وناس معاهدة “الأليكا”، اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، التي علقت المفاوضات بشأنها بين تونس والاتحاد الأوروبي منذ أشهر، متوقعا استئناف المفاوضات بشأنها من جديد، “وفق تقييم الوضع وعلى ضوء مفاوضات سابقة بين الجانبين منذ التسعينيات”.
ويثير الاتفاق الذّي كان من المقرر إبرامه أواخر 2019 مخاوف فئة من التونسيين ترى أنه سيؤثر سلبا في الفاعلين الاقتصاديين في قطاعي الخدمات والزراعة، وعلى قدراتهما وما سيترتب عن ذلك من بطالة وغلق لمؤسسات صغرى ومتوسطة إضافة إلى تأثيره على الأمن الغذائي والطاقي.
وأرجأت المفاوضات، التي انطلقت بين الجانبين في أكتوبر 2015، حول “الأليكا” لعوامل انتخابية في أوروبا وتونس”.
وقالت السلطات التونسية آنذاك إن الاتفاقيّة تهدف إلى مزيد إدماج الاقتصاد التونسي ضمن نظيره الأوروبي.
ويتوقع وناس، “إعادة النّظر في العلاقات الخارجية مع أوروبا وفرنسا وتصححيها وإعطائها اتجاهات أخرى دون قطع أو نقض لالتزامات تونس مع تلك الدّول، خاصة وأن سعّيد كثيرا ما أكد بأنه سيضمن استمرارية الدولة”.
ولا يستبعد الدبلوماسي أن يكون لسياسة الرئيس الجديد اتجاهات أخرى منها البحث عن أسواق بديلة “حتى لا نبقى في عزلة.”
فلسطين.. دعم غير مشروط
القضية كانت حاضرة في ملامح سياسة سعيد الذي أعرب في خطاب الفوز عن أمله في “وضع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التونسي.”
واعتبر المحلل أنّ الرّئيس الجديد سيقدم الدّعم الكامل للقضية الفلسطينيّة، مرجحا “التزاما كاملا بالدفاع عنها في كل المنابر الدولية وفي الجامعة العربية وفي العلاقات الثنائية مع الدولة الفلسطينية دون أي شرط ولا قيد”.
العلاقات مع سوريا
أما بخصوص الملف السوري، اعتبر وناس أنه “من أول الأشياء التي قد يقوم بها الرئيس الجديد هي إعادة العلاقات مع سوريا التّي تمر بأزمات، لأن انقطاع العلاقات ليس له اليوم أي معنى، ولأن الظروف تغيرت ووقع تثبيت نظام بشار الأسد واستمرار الدولة”.
ولفت إلى أن “تونس لا تزال تترأس الجامعة العربية، ومن الضروري أن تسعى بصفة أو بأخرى إلى محاولة إرجاع سوريا إلى مقعدها بالجامعة ومن الممكن أن تلعب دورا في ذلك.”
الخليج
وفي علاقة بدول الخليج، أكّد الدبلوماسي السّابق أنه “من الممكن القيام بمحاولة لإخراج تونس بصفة أو بأخرى من المحاور والاتفاقات العسكرية، ومحاولة تهدئة العلاقات بين دول الخليج.”
كما اعتبر أنه “من الضروري أن يقع تفسير العلاقات مع دول الخليج أو توضيح الموقف التونسي من كل منها.”
ولفت إلى أنّ “العلاقات كانت طيلة رئاسة السبسي غير واضحة مع تلك الدول، وكانت في منطقة رمادية”، لافتا إلى ضرورة أن “تكون واضحة وأن تقام على وأسس متفق عليها”.
وقال، “حسب رأيي، يجب عدم الاصطفاف مع دولة ضد أخرى أو مع محور ضد آخر، والابتعاد عن العداء لأي طرف حتى وإن كانت بعض المواقف لا تسر هذا الطرف أو ذاك، كما يجب أن تسعى تونس إلى تنقية الأجواء في العلاقة مع كل الدّول.”
ومن بين صلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدّستور التونسي، تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.
المصدر : (الأناضول)