نبيل القروي: هشاشة الانتقال الديمقراطي.. أم مأزق السيستام ؟
بقلم : صالح عطية
يدفع نبيل القروي الموجود رهن الإيقاف بسجن المرناقية، ضريبة صعود مفاجئ في نوايا تصويت التونسيين منذ عدّة أشهر..
فبينما كانت مكونات “السيستام”، تتقاسم كعكة الحكم، وتجري الترتيبات للمرحلة المقبلة، وهي تظنّ ظنّ اليقين، خاطئة، أنّها ستمرّ إلى السلطة مجددا، بمجرّد وجود “الماكينة الانتخابية”، جاهزة، مستفيدة من تشتت العائلات السياسية الأخرى، بينما كان “السيستام” يفعل ذلك، مطمئنّا، ظهر نبيل القروي، في صدارة عمليات سبر الآراء، بفارق شاسع عن منافسيه، يصل أحيانا إلى مستوى 13 نقطة مائوية، ما زاد في دوران “ماكينات” السلطة بكيفية معكوسة، مؤداها، الزجّ به في السجن، في حالة إيقاف، في مسعى شرس لإقصاء منافس حقيقي وجادّ، من السباق الانتخابي.
السياسة والقضاء
لفّت هذه العملية، الكثير من الهنّات القانونية والقضائية، مشحونة بخيارات سياسية، تحنّ إلى أسلوب عهد الاستبداد في التعامل مع الخصوم السياسيين، رغم الاختلاف في بعض الحيثيات البسيطة، ورغم اختلاف المناخ والظرفية والرموز والعقليات..
ويطرح القروي اليوم، مشكلا سياسيا وقانونيا وقضائيا على السلطة، وبخاصة على رئيس الحكومة المفوّض (بكسر الواو)، الذي اتخذ من المعالجة القضائية، سبيلا لمناكفة منافسه الجدّي، نبيل القروي، رغم أنّ هذه المعالجة، تواجه انتقادات شديدة من أهل الاختصاص، بما وضع المؤسسة القضائية في مأزق..
غير أنّ هذه الأساليب، لا تعني الفشل الذريع في التعاطي السياسي مع شأن سياسي انتخابي فحسب، إنّما تعني كذلك، أنّ منظومة الائتلاف الحاكم، باتت فاقدة للأدوات السياسية، والقدرة على تفكيك “الألغام” من حولها، وعندما يفقد السياسي، أدوات تفكيك هذه الألغام، يدخل مرحلة الخيارات القصووية، مستفيدا من زمرة من السياسيين المحيطين بالسيستام، الذين ينتمون إلى المنظومة المخلوعة، بما يعني، عدم قدرتهم على “إنتاج” تعاط جديد مع مستجدّات الحالة الديمقراطية الجديدة في البلاد، بعد أن تعوّدوا على التفكير من داخل الحيّز الاستبدادي العقيم… وهذا ــ في الحقيقة ــ جوهر المأزق الذي تجد الحكومة الحالية نفسها فيه: إنّها تعالج بعض الأوضاع السياسية في حالة ديمقراطية جديدة، بأسلوب الماكينة الاستبدادية وخياراتها وعقلها السياسي، والأفق القديم الذي كانت تتحرك فيه..
لسنا هنا في حالة دفاع عن القروي، أو هجوم على رئيس الحكومة “المفوّض والمرشح”، لكنّنا بصدد بناء تقدير سياسي للوضع.
دعك من حيثيات القضية المرفوعة بنبيل القروي، ودعك من “الذباب الفيسبوكي”، الذي لا يميّز بين الإيقاف والسجن، وبين التحقيق والتهمة الثابتة، وبعضهم ينسى أو يتناسى أنّ أحزابهم ووزراءهم، مورطون في الحكم، وفي شبهات سيكشف الزمن عنها قريبا وليس بعيدا..
السيستام والانغلاق السياسي
إذ لا يشكّ إثنان، و”لا يتناطح عنزان”، كما كان يقول الدكتور الطالبي، رحمه الله، بأنّ السيستام الحالي، أظهر الكثير من الانغلاق السياسي، بما تسبب في ظهور أصوات وخيارات من خارجه، يمثّل نبيل القروي وقيس سعيّد والصافي سعيد ولطفي المرايحي، وغيرهم، أبرز تمظهراته في الوضع الراهن.
المعركة حينئذ، بين من هم “ضدّ” و”من خارج السيستام”، ومن هم متمسكون بالمنظومة بشراسة، وهذا حقهم، شريطة أن يكون الدفاع عن المواقع، منطلقا من مبادئ وقيم سياسية، يفرضها الواقع الديمقراطي، ويحتاجها “الانتقال الديمقراطي” في بلادنا..
ويبدو أنّ المعركة بين “الضفتين السياسيتين”، ستستمرّ سواء ربح هذا الطرف أو ذاك.
ودون أي انتماء لأي من المتنافسين، أو تبنّ لأي من المقولات من هنا أو هناك، يمكن القول، أنّ القروي، رجل الأعمال والإعلامي ورئيس حزب “قلب تونس”، والمرشح للانتخابات الرئاسية، استطاع، بفعل أخطاء وارتباك الائتلاف الحاكم، أن يعرّي حقيقة التفكير السياسي للحاكمين الحاليين، بما يعنيه ذلك، من إضمار لعقل وأداة سياسية، سلطوية، استعادت، وإن بكيفية جديدة، الأساليب القديمة، وتحاول أن تصبغ سياساتها بصبغة قضائية وقانونية، في استخدام سافر، وفق ما يقول رجال القانون والمتخصصون في المرفق القضائي..
وكما في كل المعارك، فإنّ عملية “كسر العظام” ضرورية، والفرز آت لا محالة، وهو ما يطرح السؤال الذي يهرب منه كثيرون: من سيربح معركة الناخبين، الذين يواجهون ضغوطا بفعل عمليات التشويش التي تلاحقهم، بسبب هذه القضايا والملفات، وكثير من الخزعبلات..
ولعلّ السؤال الأهمّ: هل نحن أمام انتقال ديمقراطي هشّ، أم أمام سيستام بلغ مرحلة المأزق وهو يحتاج اليوم إلى روح جديدة، وعقل سياسي جديد؟ ومن سيتولى عملية تجديد السيستام، أو لنقل، تنفيذ “مقدّرات” الديمقراطية التي نبعت من نخب جديدة بعد الثورة، وتضمنها دستور 2014، بوضوح شديد، يحرص البعض اليوم على القفز عليه بذرائعيات مختلفة ؟؟