هل تقاطع “المناطق المهمشة” الانتخابات المقبلة ؟
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع الكترونية)
كاتمة في صدرها آلامها الشديدة وقد خرجت حديثا من عملية جراحية دقيقة، ترفع مبروكة بحذر سطلا مهترئة صدئة غير صالحة للاستعمال ملئت بمياه الشرب من خزان منزلي إسمنتي شيده زوجها.
تتقاسم المرأة (50 سنة) غرفتين اثنتين غير مكتملتي البناء مع أطفالها الثلاثة وزوجها عز الدين المريض والعاطل عن العمل، يعانون فقرا مدقعا وخصاصة فاقمهما عدم توفر المياه الصالحة للشرب.
ينحدر الزوجان من قرية الطوالبية بقرية المكارم بولاية سيدي بوزيد، حيث يشكو سكانها حرمانهم من الماء منذ 2011، فلجؤوا إلى الطرق التقليدية لتوفيره عبر مشي كيلومترات لجلبه على ظهر الحمير من عين وحيدة، يتقاسمون مياهها مع جيرانهم في قرية الجرايدية التي تشاركهم الجغرافيا والمعاناة.
معاناة ويأس
وقبل الوصول إلى المنطقتين، يواجه المواطنون بسياراتهم وعرباتهم التقليدية يوميا خطر الغرق في كثبان الرمال التي تمنعهم من المرور، وقد يئسوا من مطالبة سلطة الإشراف بتعبيد الطريق.
جفت “بحيرة الثماد” التي كانت تغيث أهالي المنطقتين جراء الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة، فيُجبر عز الدين (55 سنة) على العمل ثلاثة أيام حتى يجمع عشرين دينارا، ثمن صهريج ماء يأتيه من المناطق المجاورة.
يضحي رب البيت العاجز بثمن طعام يومين للحصول على صهريج ماء يروي ظمأ أسرته وبعض حيواناته مورد رزقه الوحيد.
قرار المقاطعة
واقع مرير وضنك عيش دفع بسكان المنطقتين إلى الاحتجاج وإعلان قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 15 سبتمبر والتشريعية يوم 6 أكتوبر المقبل.
يؤكد عز الدين أنه لن يشارك “لأن السياسيين قدّموا سابقا وعودا كاذبة” واستغرب جاره عزيّز حمدي وجود مناطق ما زالت تعتمد طرقا تقليدية غير صحية لتوفير المياه.
وقال حمدي، إن القريتين منعزلتان على سفوح الجبال وإنهم يستعملون الجرار لنقل مرضاهم وموتاهم، مبينا أن الأحزاب لا تهتم بهم إلا “عندما تحين المواعيد الانتخابية”.
أما المواطن حسن بدري فلم يخف غضبه مما وصفها بالأوضاع المزرية التي يعيشها وسكان القريتين ومن إصاباتهم بعديد الأمراض الجلدية والتنفسية بسبب شرب مياه غير صحية، مؤكدا للجزيرة نت أنه “لو وجد طريقا للهجرة لفعلها”.
وتحدث خالد بدري عضو الجمعية المائية بمنطقتي الطوالبية والجرايدية، عن أسباب انقطاع الماء منذ ثماني سنوات، محملا المسؤولية لإدارة الشركة التونسية لاستغلال المياه وتوزيعها بإقليم سيدي بوزيد.
تهديد بالتصعيد
وأوضح بدري أنهم التزموا بشروط تأسيس جمعية تمثل الأهالي وبخلاص ديونهم، غير أنهم لم يتحصلوا على الماء مما دفعهم لاتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات، مهددين بالتصعيد بغلق مكاتب الاقتراع في حال عدم تحقيق مطالبهم.
بدوره، انتقد بسام بدري الناشط بالمجتمع المدني في المكارم، ما اعتبره تماديا من قبل السلطات في سياسة التسويف والمماطلة، مؤكدا عزم شباب القريتين على انتزاع الحقوق تحت شعار “المقاطعة هي الحل يا حكومة الفشل، لا انتخابات رئاسية دون تسوية الوضعية”.
وسيلة ضغط
وشدد المنسق الجهوي للهيئة الفرعية للانتخابات بسيدي بوزيد، نبيل الجلالي، على أن القانون يمنع أي شخص من غلق مركز اقتراع باعتباره جريمة انتخابية عقوباتها الجزائية شديدة.
وأوضح أنه يتم في أقصى الحالات اللجوء إلى التدخل الأمني، معتبرا قرار المقاطعة “وسيلة ضغط لتمكين الأهالي من حقهم في الماء الصالح للشرب”.
يُذكر أن عددا من المحافظات تشهد بين الحين والآخر تحركات وغلقا للطرقات احتجاجا على انعدام وانقطاع الماء الصالح للشرب.
المصدر : الجزيرة