“وقف حمار الشيخ بالعقبة”…
بقلم / فاطمة كمون
يرى المتتبع للوضع العام أن الإصلاح الاقتصادي للإصلاح السياسي الذي تشهده البلاد بخطى بطيئة ومتعرجة، لا يجدي نفعا في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة، إذ أن الوضع الاقتصادي المتردّي، وانهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، لا يمكن أن يساهم في الحفاظ على استقرار الوضع الراهن، الذي تعصف به تأرجحات كثيرة..
ولا شك أنّ الحلول تكاد تكون منعدمة، خصوصا تحت ضغط التحركات الاحتجاجية التي تشهدها عديد الجهات، وبات من الضروري الخروج من هذا الوضع لضمان الاستقرار السياسي والأمني .
الدعوة إلى إعطاء أهمية للوضع الاجتماعي الحالي، وتأثيره على سير الإصلاحات المطروحة على جدول أعمال الحكومة، لا يخفي أن مطلب الإصلاح الاقتصادي وشعار مكافحة الفساد الذي يرفعه رئيس الحكومة، لا بد أن يكون البند الأول في جدول أعماله وفي خططه الأولية من دون شعبوية، وقبل القضايا الأخرى التي تناقش حاليا على طاولة مجلس النواب، رغم جديتها.
أما الحلول الترقيعية التي تقوم بها هذه الحكومة، أمام تململ الجهات، لا تعفي إخفاقها في تحقيق بنود رئيسية زعموا تبنِّيها حكومة وأحزابا حاكمة، مثل خفض معدل البطالة والفقر وتحقيق العدالة بين الجهات (التمييز الإيجابي)، وهو ما يظهر فشل السياسة المتبعة في الآونة الأخيرة في سلسلة من القرارات والمقاربات المالية الفاشلة، التي تهدف إلى وقف تدهور سعر الدينار، بعدما فشلت فشلا ذريعا في الحفاظ على استقراره أو الحد من انخفاضه، ضمن هامشٍ مقبولٍ على أقل تقدير..
فالسياسة المالية عاملا رئيسيا في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، وتأمين الحد المقبول من التنمية المطلوبة..
واتسمت مسيرة الإصلاح الاقتصادي بعد الثورة، بالتخبط في “مستنقع” التنظيرات والقرارات والقوانين المتبناة في عجالة، والتي ملّ المواطن من سماعها لتكرارها وبُعدها عن واقعه، وعجزها عن طرح الحل الجديّ والمناسب، لسياسات اقتصادية أثبتت فشلها، ومن الغباء أن نتجاهل أو نعوّم الشروط الخارجية للمنظمات والبنوك والهيئات المانحة للقروض والهبات، وتدخلها المباشر في السياسات العامة.
هذا التخبط في القرارات والتردد في اتخاذها، في ظل تبني سياسات مالية واقتصادية خاطئة لا تتلاءم مع متطلبات الوضع الحالي، بما يجعل الحكومة في موضع تشكيك في مدى مصداقيتها وقدرتها على الاضطلاع بمهامها في هذه المرحلة الحرجة التي تمر فيها البلاد، خصوصا في ضوء الرهانات الانتخابية القادمة، حيث فشلت الطبقة الحاكمة بكل مكوناتها، في علاج المشكلات والمعوقات الجوهرية التي يعاني منها الاقتصاد، على غرار ملف التشغيل على وجه الخصوص.
لا أحد ينكر تأثير الإضرابات القطاعية والنقابية والقلاقل الاجتماعية وتداعياتها على البلاد على مدى السنوات الستّ الماضية، وتصاعد حدتها ووتيرتها وسط تجاذبات سياسية عميقة، والتأثير الذي خلفته، وتخلفه على الوضع الاقتصادي الراهن، غير أنّ هذا الاقرار، لا يعني البتة غض الطرف عن مسؤولية الحكومة في تردي هذا الوضع، إذ لا ينفع الاستمرار في تبني مواقف تبريرية، وتعليق جميع الأخطاء المرتكبة على شماعة الوضع السياسي السابق، والثورة ونتائجها، والتي يقر الجميع بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية بوجودها.
ويقيني، أنّ إدراك حجم الفساد الذي ورثناه يجب أن يزيد من تصميمنا على محاربته ومكافحة آثاره بكل الوسائل الممكنة، في مسيرة تتشابك فيها أيدي الجميع، حكومة وشعبا، ويبتعد فيها المضاربون والمستفيدون عن اللهاث وراء المصالح الشخصية المدمرة لهذا البلد.
الواقع الاقتصادي يحتاج إلى مراجعة شاملة، وحس وطني عميق .
يبقى الحل، في تبني السياسات والقوانين الاقتصادية الناجعة، لضمان نجاح عملية الإصلاح الاقتصاديّ المطلوب، الذي بات ضرورة ماسة وليس خيارا فحسب، وهذا ــ في رأينا ــ من مهمة رجال الاقتصاد والمختصين، بعيدا عن كلّ تحزّب أو أدلجة، بل من خلال تحليل المؤشرات، واستقراء النتائج، وصياغة حلول بمعزل عن أي انغلاق أو تصور بيروقراطي، أو إطلاق مبادرات سياسية تخدم لوبيات لاعتبارات انتخابية .
المثل الشعبي التونسي يقول: “وقف حمار الشيخ بالعقبة”، وحمار الحكومة توقف، ويحتاج إلى من يدفعه إلى الأمام من جديد.