حلم التغيير قبل الانفلات..
بقلم / فاطمة كمون
هل حان الوقت لتغيير المفاهيم والمبادئ والأهداف في وطننا العربي، بعد الانفجارات الكبرى (الثورات) والتي أشرفت على عقدها الأول، بموجة أولى تلتها ثانية وستعقبها موجات أخرى ؟
هل تغيرت طبيعة الأنظمة (التي تحسب في سياق النجاحات) وركائزها الاجتماعية بتغير تحالفاتها الداخلية (توافقات) وحوارات خارج ضبط الدستور بما يتوافق مع إرادة الشعوب للتغيير، بعد أن “ذهبت السكرة وجاءت الفكرة “وتعرت الحقيقة ؟
هل مازلنا نقف على أرضية التحرر الوطني والاجتماعي، بعيدا عن الارتهان السياسي والتخلص من التبعية التي نزعم ؟
هل ما يحدث حاليا، عنوان رئيسي للتعافي وتمزيق قميص ذلك الرجل المريض الذي لم ينزعها منذ القرن 19 ؟
هل سنوجه اهتماماتنا وأهدافنا صوب قضايا تمثل ثوابت ووعي عام في فكرنا العربي؟
هل بإمكاننا أن نخرج خطاباتنا وتقييمنا لوضعنا، من حالة الرثاء واللطم والسخرية غالبا، لأفق البناء وإعداد الاستراتيجيات؟
كيف يمكننا إدارة شأننا في حمّى الاقتتال والحروب والصراعات بين ما هو إيديولوجي ومذهبي وانقلابي؟ أين الإنسان فينا قبل الخوض في حقوقه والبحث عن أحلامه؟
كيف أقبرنا بأيدينا حلم الوحدة، وأدخلناه في طابع التأشيرة بذلة وخسّة ؟
أين أصبحت القضية الفلسطينية في وعينا وثقافتنا خارج الشعارات؟
عيوننا مصوبة هناك.. ننتظر ولا ننظر.. نبحث عن سند لتغيير مصائرنا من دول خارج “عباءة العروبة”، ويقرر نتائج تحركات شعوبنا، قوى خارجية تحمي مصالحها، وتمد أذرعها بسرطانات تصنعها في مخابرها ..
هل التشظي الراهن، هو نتاج موازين قوى محدّدة ووضع اقتصادي واجتماعي قابل لتغيّر دائم؟
تعددت وتعمقت إشكاليات الواقع العربي، بل أصبحت مجالا خصبا لعدة دراسات وبحوث في عالم السياسة والتحاليل الإستراتيجية، بسبب اتساع حجم وقوة الضغوط الخارجية والواقع الداخلي المهترئ، وربما الهدف المخفي، الذي سيفرزه الواقع الجديد والتراكمات المتسارعة، هو إعادة تشكيل الجغرافيا العربية، وتفكيك كل مقوماتها لحساب “المشروع المعولم”.
الملاحظ في محتوى خطابات الساسة والمحللين للأوضاع العربية، دخول تعاريف ومفاهيم جديدة لم تكن تدرج في قاموس جدلهم ونقاشاتهم من قبل، على غرار الخصخصة، والسوق الحرة، وتحرير التجارة والانفتاح، والارتهان، وقوى دينية معتدلة، ومناعة الدول، والمؤامرات العربية، والفراغ الاستراتيجي الذي استغلته الثورجية… بل إنّ التطبيع ارتدى جبتين إحداهما للخطاب الرسمي، وأخرى للتداول الشعبي… أما الحرية والعدل الاجتماعي ففزاعته الإرهاب وداعش.
من الواضح عبر كل المرايا العاكسة، أن الوضع العربي متشظيا ممزقا، ذاهب إلى تجزئة الأقطار والمجتمعات والتفرقة بين الشعب الواحد، بافتعال أزمات وقضايا لم تكن موجودة أصلا، تضخمها منابر الإعلام، ويرتزق منها العديدون، خاصة عبر شبكة منظمات وجمعيات غربية غير واضحة الهدف، تملي على المتمعشين ملفات للخوض فيها.
الظاهر، أنه بعد الربيع العربي وما خلقه الوضع من أزمات على جميع الأصعدة في بعض الدول، أن شعار شعب واحد في الوطن العربي، أو أمّة عربية، لم يعد ذا جدوى، بل أصبح بعيدا حتى عن مجال الأحلام، هذا إذا لم يتحول كابوسا للشعوب قبل الساسة.
ومع إقرارنا بتردي الوضع العربي برمته، فهل بوسعنا أن نأمل ذات يوم، أن تشكل الضغوط العربية، إن استقرت وتوحدت وحسمت صراعاتها الداخلية، أن تشكل عاملا رئيسيا في نجاح أو فشل التدخلات الخارجية ؟
مع يقينا أنه من غير الممكن، الحديث عن الأوضاع السياسية العربية، وبناء ديمقراطية صلبة، ومسار إصلاحي بمعزل عن مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي، باعتباره الركيزة الأولى، سيما وقد كان السبب الرئيسي الذي أدى إلى تراكم واتساع التناقضات الداخلية، بل كان وراء فتيل الغضب والاحتجاج وشعلة طموح الشعوب للتغيير وللالتحاق بقطار العصرنة، في كنف نظام ديمقراطي تحكمه سيادة القانون والعدالة الاجتماعية.
إلا أن مظاهر التفرد والاستبداد المغلف، والفساد العام والفقر والفوضى، وعدم الاستقرار، تكاد تكون قاسما مشتركا بين كل الدول، وما كان ينقصه هو وزارة قائمة عليه، تنظمه وتسيّر دواليبه !!!…
الواضح أن هذه التراكمات الداخلية، ستصل عند لحظة معينة إلى حدها أو سقفها النهائي، الذي يعني القطيعة أو الانفصام بين هذه الدول وشعوبها، في ضوء فشل السياسات المعتمدة المسقطة على إرادة الشعوب، بمسميات عديدة، حتى وإن لبست “جبة” الديمقراطية في حل الإشكالات المتزايدة، بعد السقوط من جديد في أحضان التبعية الخارجية، والرضوخ لاملاءاتها، وتدخلها الفاضح في الشأن العام، على حساب المصالح الوطنية، والكثير من مظاهر السيادة الداخلية..
إننا أمام واقع مهزوم ومأزوم، يعيشه وطننا العربي… واقع سياسي وحراك متصاعد بوتيرة متسارعة، دون أي خطط استراتيجية، أو السعي إلي بناء مسار تنموي مستقل وهادف، أو خلق علاقات إنتاج جديدة ذاتية، لرفع معدّل إنتاجية العمل، مع غياب الآفاق، بما يعمق حالة الإحباط ضمن مناخ عام متأزم.