أوراق ضغط: هل يتجدد الصراع حول موارد النفط بعد معركة طرابلس؟
بقلم / إبراهيم الغيطاني
تعيد معركة “طرابلس” التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في الرابع من أبريل الجاري، تجديد الصراع حول موارد النفط بين الأطراف السياسية والعسكرية المختلفة، وذلك على غرار الأحداث التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية، حيث من المحتمل أن تكون هدفًا رئيسيًّا لهم جميعًا لاستخدامها كأوراق للضغط العسكري والمساومة السياسية في الأيام المقبلة، الأمر الذي يهدد برمته استقرار قطاع النفط الليبي، ويعرقل عمليات إنتاج وتصدير النفط الليبي في الفترة المقبلة ما لم تنجح الجهود الدولية والإقليمية في احتواء التصعيد العسكري الراهن.
صراع مستمر:
أثار إطلاق الجيش الوطني الليبي معركة طرابلس في الرابع من أبريل الجاري مخاوف لدى المراقبين الدوليين من أن يقود ذلك إلى حرب شاملة وطويلة الأمد في كافة أنحاء البلاد، بما يتسبب في ازدياد الأوضاع الأمنية والاقتصادية سوءًا. وجاء هذا التحرك قبل عشرة أيام من المؤتمر الوطني الليبي بين الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، والذي كان من المفترض انعقاده في الفترة من 14 إلى 16 أبريل ليؤجل بذلك توصل الفرقاء إلى حلول بشأن الانقسام السياسي القائم في البلاد منذ خمسة أعوام.
ويبدو من السابق لأوانه القول بأن قوات الجيش الوطني الليبي (وهو الأفضل تنظيمًا وعتادًا من المنافسين) ستتمكن من السيطرة على طرابلس في القريب العاجل، حيث ستواجه بالتأكيد مقاومة شديدة من قبل الميليشيات العسكرية المتمركزة في المنطقة الغربية من البلاد، بما فيها القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، وميليشيات مصراتة وغيرها، وهذا ما سيُطيل -على الأرجح- أمد الحرب الدائرة حاليًّا بين الطرفين.
ومن شأن تصاعد العمليات العسكرية في طرابلس وضواحيها أن تُعيد الصراع مجددًا حول موارد النفط في البلاد، بما قد يعرقل عمليات إنتاج وتصدير الخام، كما أشار “مصطفى صنع الله” (رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية) بقوله في 12 أبريل الجاري، إن صادرات النفط والغاز الليبية تواجه أكبر تهديد منذ 2011 بالنظر إلى حجم المعارك وتداعيات الحرب المحتملة.
ولقد كانت موارد النفط في ليبيا بالسنوات الماضية محط تنافس بين الميليشيات المسلحة في غرب وشرق البلاد، حيث استغلتها كأوراق للمساومة والضغط لتحقيق مطالبها المالية والسياسية، وهذا ما اتضح جليًّا في الفترة ما بين 2013 و2016 مع إغلاقها حقول وموانئ التصدير في منطقة الهلال النفطي لفترات طويلة للضغط على منافسيها. كما كانت المنشآت النفطية هدفًا لهجمات تنظيم “داعش” داخل ليبيا الذي تمركز في السابق بمدينة سرت.
ولقد كان من نتيجة عدم الاستقرار الأمني في البلاد على مدار السنوات الماضية أن هبط إنتاج النفط إلى أدنى مستوياته على الإطلاق في عام 2016 ببلوغه 390 ألف برميل يوميًّا، وذلك أقل من مستواه المتدني بالأصل البالغ 440 ألف برميل يوميًّا في عام 2015، وبأقل من النصف من مستوياته قبل اندلاع الثورة الليبية في عام 2011 البالغة 1.5 مليون برميل يوميًّا.
بيد أن إنتاج النفط في ليبيا بدأ يستعيد عافيته مجددًا بعد أن بسطت قوات الجيش الوطني الليبي سيطرتها تدريجيًّا على جميع منشآت النفط في شرق ليبيا منذ نهاية عام 2016، ليرتفع الإنتاج إلى 811 ألف برميل يوميًّا في عام 2017، ثم إلى 952 ألف برميل يوميًّا في عام 2018. كما عزز من استقرار قطاع النفط الليبي مؤخرًا نجاح الجيش الليبي منذ فبراير 2019 في استعادة حقل الشرارة بجنوب البلاد (البالغ إنتاجه 300 ألف برميل يوميًّا، أي ثلث الإنتاج الليبي)، وذلك بعد السيطرة عليه مؤقتًا من قبل رجال بعض القبائل في الجنوب وحراس المنشآت.
مصادر تهديد:
يفرض تصاعد المواجهات العسكرية بين الجيش الليبي والميليشيات العسكرية حول طرابلس جملةً من التهديدات الشديدة على صناعة النفط في ليبيا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- هجمات مضادة: أثار تقدم الجيش الوطني الليبي نحو الغرب إلى طرابلس قلقًا واسعًا من أن يترك هذا التحرك فراغًا أمنيًّا في منشآت إنتاج وتصدير النفط في شرق وجنوب البلاد، وهذا ما قد يجعلها عرضة لهجمات عسكرية مضادة من قبل الميليشيات العسكرية المنافسة، وبما قد يعرقل عمليات إنتاج أو تصدير النفط على غرار أحداث السنوات الماضية.
وميليشيا “إبراهيم جضران” القائد السابق لقوات حرس المنشآت النفطية، هي واحدة من الميليشيات المرشحة -بجانب ميليشيا مصراتة- لأن تقود هجمات عسكرية على المنشآت النفطية في الفترة المقبلة، ويتماشى ذلك مع تحركاتها في السنوات الماضية حينما نفذت هجمات متكررة على محطات تصدير النفط في الهلال النفطي واستولت عليها على فترات متقطعة قبل أن يستعيدها الجيش الوطني الليبي بشكل تام قبل نهاية عام 2018.
ويمكن القول إن استيلاء أي من الأطراف على منشآت النفط لن يصب في صالح قطاع النفط الليبي، فليس بالإمكان تصدير الخام الليبي إلى الخارج إلا من خلال المؤسسة المعترف بها دوليًّا، وهي مؤسسة النفط الوطنية الليبية في طرابلس. وعلى هذا النحو، فقد رفض المجتمع الدولي شراء النفط من ليبيا في يونيو 2018 عندما سيطر الجيش الليبي على موانئ للنفط في الهلال النفطي، وهدد بتسليمها إلى كيان موازٍ وهو المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي قبل أن يسلمها لاحقًا لمؤسسة النفط في طرابلس.
2- ساحة للمواجهة: بالرغم من أن مركز إنتاج وتصدير النفط في ليبيا يقع بالشرق بالمنطقة المعروفة بالهلال النفطي؛ إلا أن هناك بعض المنشآت النفطية الحيوية بغرب البلاد -وهي ميناء الزاوية- لتصدير النفط وبسعة 300 ألف برميل يوميًّا، ومصفاة الزاوية البالغ طاقتها 120 ألف برميل يوميًّا، بجانب ميناء ومحطة مليتة لمعالجة الغاز والمكثفات بمدينة صبراتة، وهو مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وشركة إيني الإيطالية.
وفي ضوء التصعيد العسكري الأخير، قد تتعرض هذه المنشآت لمخاطر التوقف عن العمل، أو العمل بأقل من طاقتها الفعلية، وهذا ما يتوقع حدوثه في الفترة المقبلة، ولا سيما مع قرار شركة إيني بسحب موظفيها من كافة مناطق الإنتاج في ليبيا بما فيها محطة المليتة، الأمر الذي قد يؤدي بنهاية المطاف لتكبد قطاع النفط الليبي خسائر في الصادرات لا تقل عن 300 ألف برميل يوميًّا، بالإضافة إلى حدوث شح في إمدادات الوقود والغاز بالسوق المحلية.
3- هجمات إرهابية: استهدف تنظيم “داعش” في ليبيا والذي تم طرده من مدينة سرت نهائيًّا بنهاية عام 2016، مواقع إنتاج النفط وكان آخرها في العام الماضي عندما قاد هجمات خاطفة على حقلي الظهرة وحقل الشرارة، كما هاجم عناصر تابعون له مقر المؤسسة الوطنية للنفط في سبتمبر من العام نفسه، وأسفر الحادث عن مقتل شخصين وإصابة 25 شخصًا. وبالتأكيد، فإن الظروف المضطربة حاليًّا ستُعطي تنظيم “داعش” مساحة واسعة لإعادة تنظيم قواته، الأمر الذي قد يسمح له بتعزيز نفوذه والتمدد مجددًا داخل المدن الليبية وشن هجمات جديدة على منشآت النفط وبما قد يزيد من الضغوط على قطاع النفط الليبي في الفترة المقبلة.
آفاق مستقبلية:
والخلاصة، يمكن القول إن التصعيد العسكري الأخير في ليبيا يضع إمدادات النفط في ليبيا في خطر غير مسبوق، لا سيما مع توقعات باستمرار الحرب لفترة طويلة، واتساع نطاقها لتشمل مناطق أخرى بخلاف طرابلس، ويأتي ذلك في وقت تحتاج فيه مؤسسة النفط إلى إجراء مزيدٍ من الاستثمارات النفطية لتعزيز إنتاجية الحقول، بيد أنها لا تتلقى أموالًا كافية بسبب انخفاض عائدات النفط وتوجيه معظمها لشراء السلع الأساسية ودفع أجور الموظفين.
ودوليًّا، يترقب المتعاملون في سوق النفط العالمية تطورات المشهد الليبي بحذر، حيث من المحتمل أن يؤدي انقطاع الإمدادات الليبية إلى صعود أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولارًا للبرميل في وقت انخفض فيه المعروض العالمي بسبب تراجع الإنتاج الفنزويلي والإيراني، جنبًا إلى جنب مع اتفاق أوبك لخفض سقف الإنتاج، الأمر الذي قد يدفع مكاسب النفط للزيادة في الأجل القريب بعد أن ارتفعت أكثر من 30% منذ بداية العام.
وليس هناك من خيارات أخرى للحد من تهديدات قطاع النفط في ليبيا سوى أن تعزز قوات الجيش الوطني الليبي من جهودها لتأمين منشآت النفط في كافة أنحاء البلاد لصد أية هجمات محتملة من الأطراف الأخرى، فيما قد تلعب جهود الأطراف الإقليمية والدولية دورًا جوهريًّا في الأيام المقبلة في وقف التصعيد العسكري وبما سيجنب القطاع النفطي خسائر كبيرة. وختامًا، يمكن القول إن أوضاع قطاع النفط في ليبيا تبدو غير مستقرة منذ فترة طويلة، ومرشحة لأن تتفاقم في الفترة المقبلة مع تصاعد المواجهات العسكرية حول طرابلس ومحيطها، بما قد يزيد من حدة الضغوط الاقتصادية على البلاد.